طمأننا السيناتور جون كيرى إلى أن الانتخابات الرئاسية المصرية ستجرى فى موعدها، وأنه لا توجد نية لتأجيلها. هذا الخبر زفته إلينا صحف الخميس الماضى (3/5) وأبرزته على صفحاتها الأولى، بعدما التقى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى مع المشير حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
فى اليوم التالى (الجمعة) نشرت الصحف تقريرا لوكالة أنباء الشرق الأوسط عن مؤتمر صحفى عقده السيد كيرى ذكر فيه أن النقطة الأهم فى مصر الآن هى التركيز على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأكد ما سبق أن قاله من أن المجلس العسكرى أكد له أن الانتخابات ستجرى فى موعدها. مضيفا أنه بعدها ستكون هناك حكومة جديدة ونقل للسلطة إلى سلطة مدنية، تحقق بها مصر نقلة إلى الأمام. واعتبر الرجل أن المرحلة التى تمر بها مصر تفتح الأبواب واسعة لتلك النقلة المرجوة، لبناء مصر الجديدة، حيث لا مجال للعودة إلى الوراء.
تحدث كيرى فى المؤتمر الصحفى عن لقاءاته فى القاهرة، واجتماعه مع المشير طنطاوى، ورئيس مجلس الشعب الدكتور محمد سعد الكتاتنى، ووزير الخارجية محمد عمرو والمرشح الرئاسى عمرو موسى. وذكر أنه أجرى اتصالا مع الدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة. إضافة إلى اجتماعاته مع ممثلى المجتمع المدنى ورجال الأعمال.
تطرق الرجل إلى أحداث العنف التى وقعت فى مصر أخيرا، ووصفها بأنها «مقلقة»، فى حين أكد معارضة الإدارة والكونجرس الأمريكى لاستخدام العنف فى الصراع السياسى، وشدد على أن واشنطن تدعو دائما إلى الاعتراف بحق الشعوب فى التظاهر.
فى التقرير أيضا أن السيد كيرى حث السلطات المصرية على إجراء تحقيق فى أحداث العنف الأخيرة ومعاقبة من قام بها. مشيرا إلى أن التقدم الذى حققته مصر بعد الثورة يعد إنجازا كبيرا إذا قورن بما شهدته دول ومجتمعات أخرى. وأعرب عن سعادته لما لمسه من شعور بالتفاؤل لدى من التقاهم فى مصر. وقال فى هذا الصدد إنه رغم الإحباط الموجود، فإن هناك أملا كبيرا فى المستقبل. وشدد على أن التحدى الأكبر الذى تواجهه مصر الآن يتمثل فى التحدى الاقتصادى، الأمر الذى يمكن أن يتغير بعد الانتخابات الرئاسية وإصدار الدستور وتشكيل حكومة جديدة.
في صحف يوم الجمعة أيضا خبر عن مؤتمر صحفى مشترك عقده السيناتور كيرى مع السيد عمرو موسى المرشح لرئاسة الجمهورية، وفى المؤتمر تحدث السيد موسى عن أهمية عدم تردد المجلس العسكرى فى تسليم السلطة فى الموعد المحدد. وانتقد فشل المجلس فى تأمين المواطنين، الذى تبدى فى أحداث العباسية. كما أشار إلى أن هناك جهات تحاول العبث بمقدرات مصر وتعويق مسيرتها. وأعرب عن أمله فى أن يقوم الشعب المصرى بحماية العملية الانتخابية ونزاهتها، مشيرا إلى ضرورة وجود متابعة دولية لها.
فى الأخبار المنشورة أيضا أن السيد كيرى بحث مع المرشح الرئاسى مختلف الأوضاع الراهنة فى مصر، بما في ذلك القلق من تعليق جلسات مجلس الشعب.
هذا الكلام يقول صراحة إن رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى جاء إلى القاهرة فى ظروف التوتر التى تمر بها مصر، وخلال 48 ساعة التقى جميع المسئولين فيها وناقش معهم أوضاع البلاد الداخلية وموعد تسليم السلطة بعد انتخاب الرئيس الجديد، وفى حين أنه لم يلتق رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزورى، الذى قيل لنا إنه منح صلاحيات رئيس الجمهورية، فقد كان السيد عمرو موسى هو المرشح الرئاسى الوحيد الذى التقاه. (اتصاله مع رئيس حزب الأغلبية كان هاتفيا، وغمزه فى السلفيين تدل عليه إشارته إلى أنه لا مجال لعودة مصر إلى الوراء).
الأمر المؤكد أن السيد كيرى لم يحضر إلى القاهرة، لكى يطمئننا. ولا يحتاج المرء إلى بذل جهد لكى يدرك أنه ليس مشغولا بنا، وإنما جاء لكى يحقق هدفين على الأقل، أولهما أن يطمئن الإدارة الأمريكية على الأوضاع فى مصر، بعدما اهتزت صورتها فى الخارج خلال الأشهر الأخيرة. وثانيهما لكى ينقل إلى المسئولين فى القاهرة وجهة نظر الإدارة الأمريكية سواء فى أوضاع مصر الداخلية أو أوضاع المنطقة، خصوصا إزاء إسرائيل بعد وقف تصدير الغاز إليها، أو إزاء إيران التى يجرى التسخين فى مواجهتها هذه الأيام، وقد حدثنا الرجل عما يهمنا واحتفظ لنفسه بما يهم حكومة بلاده.
إذا لاحظت أن زيارة جون كيرى للقاهرة تزامنت مع زيارات المبعوثين الأمريكيين لبيروت وبغداد والرياض، فلعلك تتفق معى على أن «الراعى الأمريكى» حريص على أن يؤدى واجبه تجاه «رعيته» طول الوقت، حيث لم يبلغه بعد خبر الثورة التى وقعت فى مصر.