
اليوم وبعد أن ظهرت الحقيقة فى أجلى صورها، وصدر ما صدر من أحكام – نرفضها جملة وتفصيلا، وهذا حق أصيل لأى مواطن شاء من شاء وأبى من أبى، اليوم لم يعد على المسرح السياسى من مرشح وطنى يمكن الاعتماد عليه سوى د. محمد مرسى، وهذا ليس تحيزا وإن كان التحيز فى السياسة مطلوبا ومرغوبا.
انظر إلى المشهد فى ميدان التحرير وفى كل الميادين، وراقب حركة الناس وتعليقاتهم عن مستقبل مصر وسوف تدرك أن البوصلة تتجه نحو اختيار الدكتور محمد مرسى رئيسا لمصر.
رغم كل الحروب الإعلامية الباهظة التكاليف، رغم كل الأموال التى توزع ليل نهار، رغم الانحياز الإعلامى الرسمى، رغم كل شىء، أثبت المصريون فى الخارج- كعينة ممثلة للشعب المصرى – ورغم أنهم الأكثر عرضة لحملات غسيل المخ الإعلامية، أثبتوا أنهم لا يزالون بوعيهم، لا يزالون صامدين، مناضلين ومدافعين عن ثورتهم.
فالنتائج الأولية لتصويت المصريين فى الخارج تشير إلى فوز كبير – إن شاء الله – للدكتور مرسى ضد منافسه، ويبدو أن الفارق سيكون بنسبة عالية تتيح لمن لديه قدر من النزاهة والحياد العلمى أن يتوقع كيف ستكون فى صورتها النهائية، والسؤال: لماذا بعد كل هذه الحرب فاز مرسى فى الخارج ؟
والإجابة هى أن المواطن المصرى بشكل عام والمغترب بشكل خاص لديه حاسة استشعار وطنية يمكنه التمييز بها بين الغث والثمين، بين ما ينفع الناس وما يضرهم، بين الصفاء والنقاء، وبين اللف والدوران والتلون ليل نهار.
المصرى الذى صبر على مبارك ثلاثين عاما، صبر على أعوانه عاما ونصف، ولم يفهم الأغبياء الرسالة، ولم يدركوا المغزى فظنوا أن الشعب قد وقع فريسة لإعلامهم وتضليلهم، ونسى هؤلاء ما حدث بالأمس قبل عام ونصف.
الشعب المصرى انتفض من جديد، هذه المرة ليس ضد رأس النظام، بل ضد بقايا النظام المتمترسين فى مؤسسات الدولة وأجهزتها – الحساسة – هذه الانتفاضة ستقلب الموازين، ولكنها لن تمر بسهولة فالقوم لن يسلموا بسهولة ولكنهم فى النهاية سيستسلمون كما جرت عادة الطغاة على مر العصور.
ساهم فى عودة الروح تخبط الأجهزة التنفيذية وتدخل السلطة القضائية ممثلة بنادى القضاة فى المشهد السياسى وانحيازها لشفيق وهجوم رئيس النادى غير المبرر على مجلس الشعب ونوابه الشرعيين، لقد كان مشهدا مستفزا أوحى لكثيرين بأن هؤلاء جميعا يعدون العدة للعودة. ولكن المصريين فى الخارج حسموا أمرهم مبكرا وأعلنوها صريحة أن الثورة لن تسرق، وأن الخلاف مع الإخوان لا يعنى أبدا الاصطفاف مع رموز النظام الذى دفعنا دما غاليا من أجل إسقاطه.
أخطأ الإخوان واعترفوا بذنبهم، وقدموا البراهين على صدق نواياهم، وأن ما وقع من أخطاء كانت اجتهادات فى غير موضعها، وأدرك المصريون فى الخارج أن يد الإخوان لم تكن فى يوم من الأيام ملوثة لا بدماء شهداء ولا جرحى الثورة، ولا بدماء من اعتقلوا واستشهدوا فى الزنازين قبل الثورة.
اعتذر الإخوان ولم يعتذر غيرهم بل تمادى فى غيه وأعتقد أن الجولة ستكون لصالحه، ومرة ثانية لم ينجح هؤلاء فى قراءة المشهد على الصحيح وتصوروا أن الإعلام قد مهد لهم الطريق للعودة من جديد، على غرار موقعة الجمل الأولى، فأعلنوا فى المؤسسات والهيئات والوزارات أنهم قادمون من جديد.
المشهد المهيب لتدافع المصريين عند أبواب السفارات خصوصا فى دول مجلس التعاون الخليجى وتحديدا الكويت من حيث أكتب مقالى هذا، يمنح النفس الثقة، والقوة والعافية والقدرة على توقع مستقبل أفضل لمصر فى ظل القضاء المبرم هذه المرة وعبر الانتخابات الرئاسية على ما تبقى من رموز النظام وأزلامه.
لقد قدم المصريون فى الخارج درسا راقيا وبدون ضجيج ولا إعلام ولا زفة كذابة لكل من يريد أن يتعلم، وأعتقد أن المصريين فى مصر سيحذون حذوهم ليتموا جميعا انتصار الثورة، لم لا ! ..
