ياسر علي يكتب أول مقالاته بجريدة الأهرام

متابعات : كتب د. ياسر على، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، أول مقالاته السياسية بجريدة الأهرام، بعدد اليوم السبت، بعنوان "الأهرام وحضن الثورة"،و وإلى نص المقال نقلا عن جريدة الأهرام 

حضن الثورة

أكتب اليوم كمواطن مصرى من خلال هذه النافذة، أطل فيها على مصر من جريدة‏ "الأهرام" التى كانت بالنسبة لى وعلى مدار عقود طويلة هى لسان حال الطبقة الوسطى، والتى كنت ومازلت‏ أحد أبنائها‏.‏

أذكر أننى كنت دوما فى طفولتى أكرر أننى من مواليد "الأهرام" حيث ارتبط تاريخ ميلادى بتاريخ ميلاد جريدة "الأهرام"، وهو الخامس من شهر أغسطس، وكنت ولا أزال أعتبر جريدة "الأهرام" فردا من أفراد العائلة المصرية يزورها كل صباح مع وجبة الإفطار فيبدأ الجميع يومهم بالإطلالة على مصر من هذه الجريدة، ولذلك لم أتردد فى الكتابة من هذه النافذة ممتنا للدعوة الكريمة التى وجهت لى من أسرة التحرير.

ويتذكر معى القارئ الكريم كيف كان العمل الطلابى فى الجامعات المصرية هو الوعاء الحاضن لحيوية الشعب المصرى فى مقاومته لكل صور الفساد والتبعية والاستبداد.. وكيف كانت الجامعات مستودعا لقيم الحرية والوطنية، وكان الجميع ولا يزال ينتظر دائما موقف طلاب الجامعات المصرية فى مجمل القضايا العامة للوطن, وقد كنت واحدا من أبناء الحركة الطلابية الذين تعلموا فى مدرسة الوطنية المصرية بالجامعة، حيث كنت عضوا فى اتحادات الطلاب فى جامعة عين شمس فى مطلع الثمانينيات.

ولا يغيب عن ذاكرتى زيارة قمنا بها أثناء الدراسة الجامعية- لجريدة "الأهرام" التقينا فيها بالكاتب الكبير الأستاذ سلامة أحمد سلامة- رحمه الله- فى مكتبه، وسمعت منه لأول مرة كلامه عن "التخمر الثورى" وأن التغيير المجتمعى لا يمكن أن يكون طفرة دون مقدمات حقيقية ودون نضال فاعل متصل وتضحيات مقدرة لشرائح مختلفة من كل أبناء الوطن وأن النضال الذى قاده المجتمع المصرى والحركة الطلابية المصرية فى القلب منه سيثمر فى نهايته شيئا مهما للوطن بشرط أن تستمر قوة الدفع عبر الأجيال وصولا إلى لحظة الإصلاح.
فى جريدة "الأهرام" أيضا توالت اللقاءات- ونحن فى هذه المرحلة- مع كثير من الأساتذة والمفكرين تمثل لنا زادا لاستمرار حمل قضايا الوطن وتبنى قيم الحرية والنضال، وما زلت أذكر أيضا أننى قابلت فى جريدة "الأهرام" لأول مرة المستشار الكبير طارق البشرى فى هذه الآونة..

ففى إحدى قاعات المؤسسة العريقة استمعت من المستشار البشرى إلى كلام بالغ الأهمية لا أنساه- وكان كلامه شارحا لما سطره الكواكبى فى كتابه المتفرد (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) ولفت نظرنا يومئذ للقوانين التى تحكم حركة المجتمع فى نضاله ضد الاستبداد والفساد وصولا إلى لحظة الثورة والتغيير. ومن بين ما تناوله المستشار البشرى فى هذا اللقاء أن إحداث التغيير المطلوب لابد أن تتوافر له شروط ثلاثة، أولها أن يصل المجتمع المصرى إلى قناعة كاملة بأنه لا أمل فى الإصلاح أو ما اسماه يومها (السخط العام)
هذا السخط العام لابد أن يشمل كل طبقات المجتمع لا يستثنى طائفة من طائفة ولا ملة من ملة حتى يصل المجتمع كله إلى إرادة الثورة والتغيير، وأنه لا يمكن أن يصل مجتمع إلى اللحظة الثورية دون أن تتوافر هذه الإرادة. والشرط الثانى هو الإصرار على التغيير السلمى والحفاظ على النضال المجتمعى المصرى بعيدا عن العنف وكل الأدوات التى تؤدى إليه، وآخر هذه الشروط هو وجود حادث ملهم أو مؤلم يجعل من هذا السخط العام وقودا لعملية التغيير والإصلاح.

وعبر أجيال ممتدة من النضال الوطنى وعبر حركات وأحزاب وجماعات وقوى وطنية وعبر نضالات استمرت أعواما بأدوات مختلفة فى العمل الطلابى والجامعى والعمل الحزبى والمجتمعى وعبر قوى كثيرة تخلقت فى رحم هذا الوطن الكبير هذه الثورة العظيمة والتى ولدت فى 25 يناير 2011 مع جيل من شباب مصر الذى حول بأدوات عصره ومع اكتمال الشروط الثلاثة حلمنا إلى واقع حقيقى وتنادى معه كل الشعب المصرى بكل أجياله صانعا وداعما لهذه الثورة العظيمة.

إننى أؤمن تماما بأن الثورة المصرية لابد أن يولد منها مشروع نهضوى كبير يحقق طموح المصريين فى إعادة تخليق منظومة حضارية ترد الاعتبار لهذا الوطن وإلى تاريخه وترد للمواطن المصرى حقه فى حياة كريمة وفى دور عصرى يتناسب مع طاقاته وإمكانياته.. كما أننى مقتنع بأن هذا المشروع النهضوى الشامل لابد أن يكون متعديا للأيدلوجيات والحزبيات والأفكار معبرا عن العقل الجمعى لكل أبناء الجماعة الوطنية المصرية مع الاحتفاظ بحق كل طرف فى الاختلاف فى بعض الأدوات والوسائل والسياسات..

وأدرك فى آن واحد أن منظومة التنمية الغربية الشاملة فى تخطيطها وتأسيسها تجاوزت نفس الخطوط وهو ما عبر عنه ناعوم تشاوميسكى عندما قال إن الأحزاب الغربية تآكلت أيديولوجيا وتعاظمت تنمويا حتى أصبح التباين بين الأحزاب المختلفة والقوى الفاعلة فى هذه المجتمعات هو مقدار ما تسهم به من أفكار وسياسات وأدوات فى إطار مشروع متكامل لنهضة شاملة وفى إطار الكفاءات البشرية التى تملكها وتؤهلها لقيادة خطط التنمية والنهضة.

إن الأمة المصرية مدعوة فى هذه الفرصة التاريخية من دورات التاريخ للتشبث بهذه النهضة والعمل بكل طاقاتها لبناء وطن يتسع لكل أبنائه ويتسع لتنوعهم واختلافهم فى إطار هدف جامع وعمل متصل وصولا إلى محصلة حضارية ونهضوية حقيقية تقدم نموذجا متميزا فى واقع مصر الإقليمى وفى محيطها العربى والإفريقي، ومصر قادرة على ذلك، والمصريون بمخزونهم الحضارى ووعيهم المتجذر سيبحرون معا إلى شاطئ أكثر رقيا وأكثر أمنا.. لذلك فإن هذه النافذة فى جريدة' الأهرام' ستكون مهتمة بقضية النهضة وشروطها وتوفير العمل اللازم لها. ودعم تكوين مشروع وطنى جامع لمصر التى تستحق مستقبلا أفضل وتستحق من أبنائها عملا دؤوبا لتحقيق هذا الحلم.

هذه النافذة ستطل على تاريخ الحضارات والنهضات وعلى الدراسات المقارنة التى تهتم بالعمل الحضارى عبر التاريخ والأوطان والأفكار، كما أنها ستحاول بسط التحديات وتحليلها ودعم كل جهد وطنى جاد لتجاوزها.

أخيرا.. وكبداية لسلسلة من المقالات.. أؤكد أن كلماتى التى سأتواصل من خلالها بالقارئ المصرى فى هذه الزاوية تعبر عنى كمواطن مصرى مهتم بقضايا وطنه ولا علاقة لها بالمؤسسة التى أعمل فيها متحدثا رسميا.
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

0 التعليقات

شارك بتعليقك

:: تصميم : ويب توفيل | تعريب وتطوير مدونة الاحرار - 2012 | | تحويل القالب الي بلوجر سمبل دزاين | تابعنا على الفيس بوك | سياسة الخصوصية::