مصطفى بكري يكتب : عمر سليمان

مصطفى بكري يكتب في جريدة "الوطن" :  عمر سليمان


كنت أداوم على مقابلته بين الحين والآخر، كان يذهب إلى مستشفى وادى النيل كل أربعاء، يجرى بعض الفحوص الطبية، ويلتقى بعض الأصدقاء ليتحاور معهم فى الشأن العام، وبعض القضايا الأخرى!!

كان مهموماً بالوطن، وكان قلقاً من التطورات التى تشهدها البلاد، والقلاقل والتظاهرات والاعتصامات التى لا تريد أن تتوقف، وكان دائماً يقول لى: «إن أكثر ما يخيفنى هو دخول البلاد إلى ساحة صراع مجتمعى.. مجتمعى، يحدث انقساماً بين الناس، وتتحول مصر إلى ساحة للمعارك وتصفية الحسابات»!!


خلال الأشهر الأولى التى أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير، كنت التقيه بصفة منتظمة، استمع منه إلى تفاصيل ما جرى من خلف ستار خلال الثمانية عشر يوماً، منذ انطلاق الثورة وحتى ساعة التنحى.


توقفنا كثيراً أمام محاولة اغتياله يوم التاسع والعشرين من يناير، عندما سألته: مَن دبر العملية؟ قال بصوت هادئ ورزين: «ابحث عن المستفيد»، سألته: وماذا كانت نتيجة التحقيقات التى أمر الرئيس السابق بإجرائها حول الحادث؟ قال: «من المؤكد أنه عرف مَن الذى دبر المؤامرة، لكنه فضّل أن يطوى الملف»!!


كان عمر سليمان يعرف كل شىء، لكنه لم يُبح بالتفاصيل، بل رفض حتى المطالبة بفتح ملف التحقيقات بعد انهيار النظام وسجن مبارك ونجليه.. كان يفضّل الصمت دائماً فى كثير من المواقف والأحداث.


قال لى: «لم أكن راغباً فى تولى منصب نائب الرئيس، لكننى أدركت أن الأحداث التى تعيشها البلاد توجب علىّ تحمل المسئولية مهما كان الثمن فى المقابل، لقد كنت أعرف أن النظام حتماً سيدفع الفاتورة كاملة، لكن لم يكن أمامى من خيار، نصحت كثيراً، كان الرئيس يستجيب، ثم سرعان ما يتراجع بفعل ضغوط الأسرة التى ضاق بها ذرعاً، لكنه استسلم لها فى نهاية المطاف»!!


كانت لحظة المواجهة مع مبارك هى من أصعب اللحظات التى واجهت عمر سليمان، ففى الواحدة والنصف من بعد ظهر الجمعة الحادى عشر من فبراير، عُقد اجتماع بمقر وزارة الدفاع بحضوره وحضور المشير طنطاوى والفريق أحمد شفيق والفريق سامى عنان، اتفقوا على مطالبة الرئيس بالتنحى عن الحكم إنقاذاً للبلاد من خطر الفوضى..


لقد تولى عمر سليمان القيام بالمهمة، حدثه بكل جرأة، وقال له: «أرجوك افتح التليفزيون لترى الجماهير التى حاصرت القصر»، رد عليه مبارك: «السلطة فى يدك أنت الآن، تصرف كيفما تشاء»، قال سليمان: «ليس أمامنا من خيار سوى أن تعلن تخليك عن السلطة إنقاذاً لمصر»!!


كانت الكلمات صعبة على «مبارك»، أبدى دهشته واستغرابه، لكن عمر سليمان ظل يحاوره ويجادله، وعندما طلب مبارك من سليمان أن يرسل إليه التليفزيون ليعلن بيان التنحى من شرم الشيخ، قال سليمان بلغة حادة: «مفيش وقت، سأُعلن أنا البيان من هنا وفوراً»!!


طلب مبارك بعض الوقت، حتى تغادر سوزان ونجلها جمال القصر إلى شرم الشيخ، وافق سليمان، وظل يتفاوض مع سوزان لأكثر من ثلاث ساعات، حتى أُجبرت فى النهاية على مغادرة منزلها فى الخامسة وعشر دقائق من مساء ذات اليوم، دون أن تعلم بقرار التنحى الذى أُذيع من على شاشة التليفزيون المصرى فى السادسة مساءً.


لم يكن عمر سليمان راغباً فى الاستمرار، كان هو صاحب قرار نقل السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، باعتباره الخيار الوحيد الذى يمكن أن يخرج البلاد من أزمتها الدستورية، ثم سرعان ما مضى إلى منزله فى صمت، دون أن ينطق بكلمة واحدة!!


وفى الأيام الأخيرة كان يرفض، بكل إصرار، الترشح لانتخابات الرئاسة، كانت لديه قناعة بأن دوره قد انتهى، وأن الأبواب يجب أن تُفتح لغيره، لكنه لم يكن أبداً يظن، ولو لحظة، أن رئيس الجمهورية القادم يمكن أن يكون إخوانياً!!


تقدم بأوراق ترشحه فى اليوم الأخير من فتح باب الترشح، كانت جميع استطلاعات الرأى تؤكد تفوقه على منافسيه بفارق كبير، وعندما فوجئ باستبعاده من الترشح، لوجود نقص فى التوكيلات يقدر بنحو 31 توكيلاً، أُصيب بصدمة كبيرة، لكنه رفض التعليق على كل ما أُثير من تكهنات فى هذا الوقت!!


لقد سألته عن الحقيقة فى الأمر، فرد باقتضاب قائلاً: «دع الأمور تمضى كما هو مقدر لها، المهم سلامة الوطن».


كنت أشعر بالمرارة فى كلماته، وعندما سافر إلى ألمانيا لإجراء فحوصات طبية، أدركت أن حالة الرجل الصحية بدأت تتدهور سريعاً، لقد فقد من وزنه الكثير، وأصبح فقط يتذوق الطعام!!


وبعد الإعلان عن فوز د.محمد مرسى بمنصب الرئيس، ازداد قلق «عمر سليمان» على مصر وعلى ما يمكن أن تشهده البلاد من صراعات قد تؤدى إلى الفوضى، التى تسعى أمريكا إلى نشرها فى البلاد، وصولاً إلى إسقاط الدولة المصرية.


سافر من «أبوظبى» إلى «لندن»، ومن «لندن» إلى «الولايات المتحدة» دخل إلى مستشفى كليفلاند لإجراء بعض الفحوص الطبية ثم خرج من المستشفى ميتاً.


وكان موته لغزاً، كما كانت حياته التى عجت بالأسرار التى ظلت طى الكتمان حتى النفس الأخير من حياته..


مات الرجل الصامت، لكن موته أشعل معركة من الجدل الشديد، وطرح تساؤلات عديدة، تنتظر إجابة حاسمة حتماً ستكشف عنها الأيام!!
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

0 التعليقات

شارك بتعليقك

:: تصميم : ويب توفيل | تعريب وتطوير مدونة الاحرار - 2012 | | تحويل القالب الي بلوجر سمبل دزاين | تابعنا على الفيس بوك | سياسة الخصوصية::