من أفسد أدلة الإدانة؟ - عمرو الشوبكي


حين يتعرض واحد من قضاة مصر المحترمين قبل أسابيع قليلة على خروجه للتقاعد لهذا الكم من الاتهامات، بسبب حكم البراءة الذى صدر بحق نجلى مبارك ومساعدى العادلى، فإننا ننسى السؤال المحورى المتعلق بطبيعة الأدلة التى قدمت للقاضى حتى نقول إذا ما كانت المحكمة تواطأت مع مبارك بعد أن باعه من استفادوا منه - من الصعب أن نتحدث عن أنصار لمبارك مثلما كان الحال بالنسبة لعبدالناصر والسادات - أم أن الحكم مرده خلل وفساد فى الأدلة المقدمة؟

الحقيقة لا يوجد قانونى واحد إلا واعتبر أن القضية لن يحصل فيها مبارك إلا على 3 أو 5 سنوات بحد أقصى، لأنه يحاكم على فيلات أخذها بغير حق، ولا يوجد دليل قطعى على إصداره أوامر بقتل المتظاهرين، فاجتهد القاضى الشريف، واعتبر مبارك شريكاً فى الجريمة «بالامتناع» عن وقفها.


والحقيقة أن السؤال الذى يجب أن يسأل هو: لماذا لم يتم ندب قضاة تحقيق مستقلين مهمتهم جمع الأدلة التى تدين مبارك عن جرائمه السياسية وفساده المالى، ولماذا لم تتفق كل القوى السياسية على اعتبار هذا الأمر الهدف الأسمى لكل تحركاتها، حتى يمكن معاقبة مبارك الأب وجمال الابن عن الجرائم المخزية التى ارتكبوها؟


المؤكد أن هناك مسؤولية لقيادات وزارة الداخلية فى إخفاء الأدلة وإتلاف بعضها، وكثير منها يدين رجال العادلى، الذين حصلوا على براءة صادمة، أما المجلس العسكرى فإنه مسؤول مسؤولية جسيمة عما وصلت إليه البلاد من تدهور وانقسام، فحين ترغب القيادة السياسية فى الحصول على أدلة تثبت إدانة عدد من قادة الداخلية، فإن الأمر يحتاج إلى إدارة سياسية واعية تطلب القيام بحملة داخل الداخلية تقنع العاملين فيها بأن محاسبة البعض لا تدين الكل، وأن من مصلحة الوزارة أن تعمل لصالح الشعب، وتقدم أدلة إدانة تدين بعض قادتها، وتساعد فى تحسين صورتها وسط الشعب وتكون بداية تطهير حقيقى، وهو ما لم يحدث.


إن رفض المحاكمات الاستثنائية والسياسية لا يحول دون محاسبة مبارك وجمال مبارك وباقى أركان حكمه بالقانون على كل جريمة ارتكبوها، وهو ما نجح فى جنوب أفريقيا وفى بلدان كثيرة اقتص فيها لحقوق الشهداء والمصابين، وكل ضحايا الديكتاتورية والاستبداد، إلا فى مصر التى لم تمتلك أى إرادة لمحاسبة رموز النظام السابق وجلاديه.


لا يجب قبول الإفراج عن رجال العادلى ولا عن جمال مبارك، فمبارك الذى أهان الشعب المصرى ودمر وأفسد الكثير من مؤسساته، يجب أن تفتح كل ملفاته السوداء، بدءاً من مسؤوليته عن الـ1000 روح التى ذهقت فى عرض البحر - لأن مبارك المتبلد كان نائما وخاف مرؤوسوه أن يوقظوه حتى يصدر أوامره بتحرك فرق الإنقاذ فى عرض البحر الأحمر، فبقى الناس يصارعون الموت 9 ساعات حتى جاءت فرق الإنقاذ بعد استيقاظ الرئيس البليد، ومبارك أيضا مسؤول عن انهيار التعليم ونسبة أمية ظلت 30%، وانهارت معها الصحة والمواصلات والخدمات، وهو الذى حكم البلاد بالأمن، وترك ابنه يعيث فى الأرض فسادا ويتصور أن مصر عزبة تورث.


إما سيحاكم جمال مبارك وحاشية العادلى محاكمة سياسية استثنائية - مازلنا لا نوافق عليه - أو يفتح الباب أمام محققين شرفاء ورجال قانون وسياسة لجمع أدلة إدانة لعهد كامل من الفساد والاستبداد، وهذا هو الطريق الوحيد للوصول إلى محاكمة عادلة والخروج مما نحن فيه.
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

0 التعليقات

شارك بتعليقك

:: تصميم : ويب توفيل | تعريب وتطوير مدونة الاحرار - 2012 | | تحويل القالب الي بلوجر سمبل دزاين | تابعنا على الفيس بوك | سياسة الخصوصية::