يبدو أن مديرية أمن القليوبية تخصص تيار إسلامى، فعلى مدار الأشهر الماضية لم نسمع عن أى نشاط ذى بال لأمن تلك المحافظة سوى القضايا المرتبطة بالتيار الإسلامى، من أول الاعتداء على نائب برلمانى وسرقة سيارته إلى الاعتداء على مرشح رئاسى وتهديده وسرقة سيارته وانتهاءً بالفيلم الشهير عن الشيخ "ونيس" الذى ينتمى إلى حزب النور السلفى، وواضح من صوره المنشورة أنه يرتدى الزى الأزهرى، وكانت مديرية أمن القليوبية قد أثارت ضجة كبيرة هذا الأسبوع بإنجازها غير المسبوق فى ضبط الشيخ الأزهرى وهو يحتضن فتاة فى سيارته على جانب الطريق، حسب الرواية التى احتفل بها إعلام الفلول والإعلام الرسمى، والحقيقة أن الرواية مع الافتراض الخيالى بصحتها تعتبر مضحكة جدا، لأن القاصى والدانى فى مصر وخارجها يعرف أن الانفلات الأمنى هو شعار المرحلة، وأن الفوضى الأمنية لا تخطئها العين وأن السياحة مضروبة بسبب الانفلات الأمنى أساسًا وعجز الداخلية عن السيطرة، وأن المخدرات تُباع علنًا فى شوارع أحياء ومدن الجمهورية، وبشكل أخص ـ للمفارقة ـ فى القليوبية، كما أن أشهر عصابات الخطف وسرقة السيارات بالإكراه فى محافظة القليوبية، وهناك مناطق فيها تعترف الشرطة بعجزها عن دخولها، وإذا ذهبت للإبلاغ عن سرقة سيارتك فغالبًا ما تسمع نصيحة مخلصة من الداخلية بأن تتفاوض مع اللصوص كحل أمثل!، كما أن البلطجة وأعمال فرض الإتاوات والقتل خارج إطار القانون أشهر من أن نتوقف عندها ، وبالتالى فعندما يأتى جََناب مدير أمن القليوبية بنفسه أو بنائبه لكى يؤكد بكل افتخار وثبات، للإعلام المحلى، وربما العالمى، أن واقعة ضبط الشيخ الأزهرى فى وضع غير لائق مع الفتاة فى السيارة واقعة صحيحة، وأنها تكشف عن يقظة قوات الأمن وسيطرتها على الأوضاع الأمنية بكل صرامة وأنه لا أحد فوق القانون والشرطة هى عين الوطن الساهرة على أمنه وأمانه، فإننا نكون ـ بصراحة ـ أمام مسرحية لعادل إمام، ولسنا أمام كلام جاد أو عقول محترمة، وعندما يتكلم قادة فى وزارة الداخلية، متهمون بتعمد تجاهل الفوضى الأمنية ونشر الخوف، عن اهتمامهم المشكور بالآداب العامة وملاحقتهم لكل من يخدش الحياء العام ولذلك اهتموا بمطاردة النائب الأزهرى أو السلفى لأنه كان يجلس بطريقة غير لائقة مع الفتاة فى السيارة، فإننا نكون أمام حقيقة واضحة، وهى أن الفلول ما زالوا يحكمون وزارة الداخلية، لأن سكان القاهرة فقط، ولا داعى لذكر بقية المحافظات، أصبحوا لا يملكون إلا غض البصر ومصمصة شفاههم حزنًا على الانفلات الأخلاقى والفوضى التى يمكن أن تراها جارحة وخادشة على كورنيش النيل وسط القاهرة أو على كورنيش المقطم، ودع عنك كافتريات مولات مطار القاهرة أو المهندسين أو مدينة نصر أو ما يحدث فى كازينوهات الفنادق، وأما إن اتسعت الدائرة وتحدثت عن شرم الشيخ مثلا، فإن محاولة وصف ما يحدث هناك بصراحة سوف تخدش حياء قارئ هذه السطور، ولا يوجد صحفى ولا حتى مواطن ذهب إلى هناك إلا ويعرف تلك الفضائح، فلا أدرى سر هذه العفة والأخلاق الحميدة التى هبطت على وزارة الداخلية لدرجة أن تترك كل هذا الانفلات والفوضى والعنف، لتنشغل كتيبة كاملة بضباطها وأمناء شرطتها وعساكرها ومعهم قطاع من المباحث العامة وربما الأمن الوطنى من أجل إثبات وتوثيق واقعة جلوس النائب الأزهرى مع فتاة فى سيارته بطريقة مخلة، ثم كانت الخطوة المزلزلة من النيابة أن أمرت بحبس الفتاة المفترى عليها أربعة أيام على ذمة التحقيق، باعتبار أنها ارتكبت جريمة خطيرة لا تقل فى وحشيتها وتهديدها لأمن الوطن عن موقعة الجمل، وهو قرار أسطورى من النيابة العامة أتمنى أن يخرج علينا صاحبه فى إحدى الفضائيات لكى يشرح لنا مبرراته الحكيمة لإصداره، وأقسم بالله غير حانث أنه لو كان هذا النائب السلفى نفسه هو الذى ضبط شاباً وفتاة فى سيارة بوضع مخل وطلب الشرطة لضبطهما لسخر منه ضباطها وتهكموا عليه ثم سربوا للإعلام أن عضوًا بجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر السلفية يلاحق الفتيات والشبان بدعوى الحفاظ على الأخلاق الحميدة، وسوف تقوم النيابة باستدعاء النائب السلفى لأخذ تعهد عليه بأن لا يتعرض للمواطنين فى الأماكن العامة.
فقط أريد أن أقول للأحباب فى التيار السلفى، إن هذا الذى حدث مع الشيخ "ونيس" هو مجرد "نموذج صغير" مما سوف تذوقونه مستقبلاً إذا تكاسلتم عن معركة الوطن الحاسمة مطلع الأسبوع، وإذا كان "الفلول" ـ فى الأمن والإعلام وغيرهما ـ يتلاعبون بكل هذه البجاحة دون غطاء سياسى، فكيف إذا أتاهم غطاء سياسى من أحمد شفيق،.. ألا قد بلغت، اللهم فاشهد.
almesryoongamal@gmail.com