محمد الميكانيكى فجأة اكتشف أن الأصحاب والأزواج والأهل بيتخانقوا مع بعض بسبب الانتخابات فاتصل بى وقال لى: «أنا زعلان منك، قعدت تقولى ديمقراطية.. ديمقراطية لغاية ما الناس كلها وقعت فى بعض!».
قلت له يا صديقى مصر فيها سيارات من كل دول العالم ولكننا نقودها وكأنها جرارات فى حقول زراعية لأننا نملك السيارات ولا نحترم آداب القيادة. مصر فيها الآن انتخابات يفترض أن تكون ديمقراطية ولكنها تتحول إلى انتخابات استبدادية نتيجة للفضول السياسى عند البعض، والتحرش السياسى عند البعض الآخر.
«برّاحة علىّ يا عم، أنا مش بأفهم الكلام الكبير ده، يعنى إيه الكلمتين دول؟».
الفضول هو رغبة البعض فى أن يعرف ما الذى سيكتبه جاره فى ورقة الامتحان ربما كى يقتدى به أو كى يقضى عليه.. وهو ما يفضى إلى التحرش السياسى أى أن من له سلطة على غيره يمارسها بالإقناع أحيانا وبالإغواء أحيانا وبالتهديد أحيانا ثالثة إما من أجل التصويت فى اتجاه معين أو لعدم التصويت على الإطلاق.
«طيب أعمل إيه أنا دلوقتى؟» سألنى وأجبته: «نعمل فى السياسة اللى كان المفروض نعمله فى قيادة السيارات: نتعلم آدابها واحنا بنمارسها، لو عايز تدعم شخصا ما، لا مشكلة، ولو عايز تتبنى منطق الحياد الإيجابى لا مشكلة».
«يعنى إيه الحياد الإيجابى ده؟»، سألنى فقلت له ركز معى:
أولا، هذا الحياد الإيجابى فى العمل الانتخابى يرفض تماما أى تحرش سياسى، فكل أفراد أسرتى وأصدقائى كائنات عاقلة ورشيدة تستطيع أن تتخذ قراراتها بمعزل عنى حتى لو بدا لهم غير ذلك.
ثانيا، الحياد هنا لا يعنى المقاطعة وإنما يعنى المشاركة حتى لو كانت تعنى «إبطال الصوت» رغم أننى شخصيا لن أبطل صوتى، لكن أتفهم تماما موقف من يختار أن يبطل صوته.
ثالثا، من الممكن أن ألجأ لانتخاب الشخص الذى أستطيع أن أعارضه ديمقراطيا على حساب الشخص الذى يغلب على ظنى أننى لو عارضته فسيتحول إلى مستبد.
رابعا، هذا الحياد الإيجابى يتضمن أيضا احترامى لحق من سيصوتون فى الاتجاه المضاد لى وأنهم وفقا لحساباتهم ولنسق قيمهم يرون من الفرص والتهديدات ما لا أراه.
خامسا، طالما أنه لم يتوافر من الأدلة والبراهين ما يؤكد فساد عملية التصويت والفرز وإعلان النتيجة، فإن الحياد الإيجابى يقتضى قبول النتيجة حتى وإن لم تكن راضيا عنها.
سادسا، الحياد الإيجابى يعنى أن الإنسان سيعطى صوته لمن يغلب على يقينه أنه سيحترم ديمقراطية الوصول للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة، وسيحترم ديمقراطية ممارسة السلطة عبر احترام الدستور والقانون، وسيحترم ديمقراطية الخروج من السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة.
سابعا، الحياد الإيجابى يعنى احترام «الدعم العلنى» من قبل بعض المواطنين لأحد المرشحين؛ فهناك قطعا من يميل الناس لانتخابه للاقتناع الفعلى بأنه الأقدر والأكفأ وهنا لا يمكن إنكار حق هؤلاء فى أن يعبروا عن وجهة نظرهم وأن يحاولوا إقناع الناس بها دون ممارسة الاستبداد عليهم.
بكده نتجنب الانتخابات الاستبدادية. قال صديقى: «خلاص، فهمت، بس تفتكر كم واحد فى مصر فاهم الكلام ده؟»، قلت له: «ناس كتير بس مش بيتكلموا كتير، علشان بيشتغلوا كتير».