هل أثبتنا بالدليل القاطع كمصريين بدرجات متفاوتة أننا نستحق أن يحكمنا مستبد آخر؟ هل ينطبق علينا قول عبدالرحمن الكواكبى: «المستبد لا يحكم إلا مستبدين»، وبالمخالفة: «الديمقراطيون لا يحكمهم إلا ديمقراطى». السؤال: هل نحن ديمقراطيون؟ كم مرة تصرفنا بوحى من الديمقراطية فى آخر سنة من عمرنا؟ كم مرة احترمت الأقلية قرار الأغلبية؟ كم مرة سعت الأغلبية لاستيعاب مطالب الأقلية؟
الديمقراطية تعنى ضمن ما تعنى أن نثق فى أنفسنا وفى مؤسسات الدولة التى نصنعها لتحمينا من أهل الفساد والاستبداد، بل وأن يثق أهل الأغلبية السياسية فى معارضيهم رغما عن اختلافهم معهم، والعكس صحيح. والسؤال: هل نحن نثق فى أنفسنا؟ هل نثق فى مؤسساتنا؟ هل يثق الإسلاميون فى الليبراليين أو العكس؟
طيب، كيف نطالب بالديمقراطية ونحن غير ديمقراطيين؟ وليسأل كل واحد منا نفسه: كم مرة اختلفت مع كلام قرأته أو سمعته دون أن تسب وتشيطن صاحبه؟ كم مرة ضاق صدرك بالرأى المخالف لدرجة أنك تحولت من مناقشة الرأى المعارض إلى النيل من صاحبه؟ فلنجب عن هذه الأسئلة بصراحة، لنعرف لماذا انتهينا إلى ما انتهينا إليه.
وماذا لو كنت من الأغلبية هل ستتصرف على النحو الذى يطمئن الأقلية ويأخذ بيدها ليضمن الشراكة من أجل مستقبل أفضل للجميع أم ستتحول الأغلبية إلى التغلب على الأقلية وصولا إلى نفيها؟
إذن قلها عدة مرات سرا أو جهرا: «المستبد لا يحكم إلا مستبدين»، «المستبد لا يحكم إلا مستبدين»، «المستبد لا يحكم إلا مستبدين». وأكملها بعبارة: «ونحن مستبدون»، «نحن مستبدون»، «نحن مستبدون».
دعونا نعترف بحقيقتنا، عسى أن يكون ذلك مقدمة لعلاج مشاكلنا. وأولى مشاكلنا أننا لا نعترف بمشاكلنا، وإنما نصف الآخرين بها، حتى نخرج نحن أبرياء بل وضحايا.
وسنستمر على هذه الحال من التشرذم والتشيع طالما وجد فينا الخالق، سبحانه وتعالى، تشددا وغلظة وجهالة، لذا جعل عقابنا من جنس عملنا حتى نعلم أن ثمن الحرية كراهية الاستبداد، وأن ثمن العدل كراهية الظلم، وأن ثمن المساواة كراهية التمييز. وبما أننا لم نكره الاستبداد والظلم والتمييز بالقدر الكافى بعد، فها نحن نكوى أنفسنا بها.
كثير من العلمانيين يكرهون الإسلاميين أكثر من حرصهم على الديمقراطية. ولو كانوا لهم أن يختاروا بين استبداد بدون إسلاميين أو ديمقراطية مع حكم الإسلاميين، فسيختارون الاستبداد، لأن حكم الإسلاميين هو قمة الاستبداد من وجهة نظرهم. إذن هم ليسوا ليبراليين هم أشباه ليبراليين. وهؤلاء سيختارون الاستبداد، لأن «المستبد لا يحكم إلا مستبدين».
كثير من الإسلاميين يكرهون العلمانيين أكثر من حرصهم على الديمقراطية. ولو كان لهم أن يختاروا بين استبداد بدون علمانيين أو ديمقراطية مع حكم علمانى، فسيختارون الاستبداد، لأن حكم العلمانيين هو قمة الاستبداد من وجهة نظرهم. إذن هم ليسوا إسلاميين، هم أشباه إسلاميين. وهؤلاء سيختارون الاستبداد، لأن «المستبد لا يحكم إلى مستبدين».
الثورة المصرية كشفت استبدادنا لنا، وأوضحت أن المعضلة لم تكن فقط مبارك. كل ما فى القضية أن مبارك كان من السيطرة على مؤسسات القمع بحيث إنه كان المستبد الأكبر، وكان أغلبنا من الغفلة لدرجة أننا اخترنا أن نحيا وكأننا ضحايا فى حين أننا لا نقل استبدادا حتى وإن كانت قدرتنا على ممارسة الاستبداد مكبوتة لوجود المستبد الأكبر، وأما وقد اختفى حكمه، فسيسعى الجميع للاستبداد بالجميع، ولهذا اعتبر أرسطو أن الديمقراطية نظام استبدادى، لأنه استبداد الدهماء الذين لا يحترمون القانون ولا يحترمون حقوق الآخرين. الديمقراطية من غير أخلاقياتها وقوانين عملها تعنى الفوضى، وستستمر الفوضى إلى أن يأتى مستبد جديد أو نعرف مشاكلنا