شهادة مهمة و مثيرة...بقلم :فهمي هويدي

ما كتبه الإعلامى البريطانى المخضرم تيم سيباستيان عن مصر هذه الأيام يستحق القراءة والمناقشة. ذلك أن بعضه يتسم بالتسرع والتشاؤم، والبعض الآخر على قدر من الأهمية والإثارة. شهادة صاحبنا نشرتها صحيفة الشرق الأوسط فى 21/2 الحالى، ضمن ما تتلقاه من خدمة لصحيفة «نيويورك تايمز».

فى الشق المتعلق بالتسرع والتشاؤم لم ير الرجل فى الواقع المصرى غير نصف الكوب الفارغ، متمثلا فى الفوضى وانعدام الأمن وأجواء ميدان التحرير الذى اختفى منه الثوار، بعدما صار مرتعا للبلطجية والعاطلين. وقد ارتأى أن الخوف عاد إلى المصريين، وأن رجال المخابرات أصبحوا ينتشرون فى كل مكان. ونقل عن آخرين قولهم إن المصريين عادوا مجددا إلى التلفت حولهم وهم يتحدثون، خوفا من أن يسمعهم أحد، ثم إنهم أصبحوا حذرين فى اتصالاتهم الهاتفية بسبب عودة التنصت مرة أخرى، كما أنهم أصبحوا يعيدون النظر فيمن يثقون به ومن لا يثقون. وكان واضحا تأثره فيما كتب بالإجراءات التى اتخذتها السلطات المصرية بحق المنظمات الأهلية التى تتلقى تمويلا أجنبيا. وبالآراء التى استمع إليها من جانب الناشطين القائمين على أمر تلك المنظمات.

الخلاصة التى خرج بها الرجل فى هذه المعلومات هى أن: الأمر فى غاية الخطورة. فلو عادت سحابة الخوف القديمة لتلقى بظلالها من جديد على مصر، فإن المناخ سيكون مهيأ لعودة النظام الديكتاتورى المطلق مرة أخرى. لأن الخوف هو ما سيمنحه القوة. ولم يفته وهو يسجل تلك الخلاصة أن يشير إلى تعليقين سمعهما من المصريين واعتبرهما قويين للغاية. الأول هو أن المصريين تذوقوا طعم الثورة. وسوف يحبون فى الغالب ان يتذوقوه مرة أخرى. وفى التعليق الثانى أنه لم يعد بإمكان أى حاكم فى مصر أن يعول على خضوع الشعب وانقياده له.

وهو ينعى إلينا ثورة 25 يناير قائلا إن الذين لم يدركوا أنها قد انتهت، هم الذين لايزالون يجادلون ويحلمون ويلقون الخطب فى ميدان التحرير.

الثغرة الأساسية فى هذه الصورة التى رسمها الإعلامى القدير أنه تحدث عن الإدارة ولم ير الحاصل فى المجتمع. وأنه رأى القاهرة ولم ير شيئا من الحاصل خارجها، وأنه أنصت إلى بعض المثقفين ولم يستمع إلى صوت الشعب المصرى الذى استعاد حيويته، واختفى الخوف من حياته كما تجاوز حاجز الصمت. ولا أعرف من أين جاء بحكاية تلفت المصريين من حولهم وحذرهم من الحديث حتى لا يسمعهم أحد، فى حين أن إحدى مشكلاتنا فى الوقت الراهن أن البعض أصبحوا يمارسون جرأة أكثر من اللازم فى أحاديثهم.

الشق الآخر المهم والمثير فى شهادة سيباستيان وجدته فى فقرة قال فيا ما يلى: فى شهر ديسمبر فى العام الماضى قرر الجنرالات أمرا لو حدث فى بلد آخر لأعتبر غير معقول وغير مقبول بأى معيار. ذلك أنهم قدموا إلى البنك المركزى قرضا بقيمة مليار دولار لمساعدته فى الظروف الاقتصادية العصيبة التى تمر بها مصر. وهذا قرار يحتاج إلى كلام واضح وصريح. إذ إنه يعنى أن القيادة العامة للقوات المسلحة قررت إقراض الشعب المصرى أموالا هى فى كل أحوالها ملك أصيل للبلد. وهى معفاة من الرقابة المصرفية، ولم يدفع عنها مليما واحدا للضرائب، على حد علم الجميع.

استطرد الكاتب قائلا: صحيح أن القوات المسلحة ظلت لعدة عقود تدير شئونها المالية بنفسها، إلا أنه فى ظل الاضطراب السياسى الذى تمر به مصر اليوم، فإن الأمر يتطلب أن تتقدم مجموعة فى غاية القوة والثقة لكى تعرض على البلد ان تعيد إليه أمواله، فى حين يصور الأمر على أنه منتهى السخاء والكرم. إلا أن قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يثر أى ذرة غضب لدى برلمان جديد يهتم أكثر بمواعيد الجلسات ومواعيد الصلاة. ومن الواضح أن أحدا من ذلك المجلس لا ينوى أن يسأل على استحياء عن ذلك المليار أو أية مليارات أخرى فى حسابات العسكر. بالتالى فإنه يمكن للجيش على الرغم فى كل شىء أن يسترخى ويطمئن. فكل شىء يسير على أفضل ما يكون ــ انتهى الاقتباس.

هذا الكلام مهم وحساس، لأنه يفتح ملفا دقيقا لم يطرح للنقاش العام فى مصر، ذلك أن الجدل أثير قبل أشهر قليلة حول الدور السياسى للقوات المسلحة، وتطرق ضمنا إلى عدم مناقشة الميزانية العسكرية. وقد ظننا ان الأمر متعلق بالأسرار الحربية، ولكن كلام الإعلامى البريطانى نبهنا إلى بعد آخر يخص الميزات والمكتسبات الاقتصادية. ولست فى موقف يسمح بمناقشة الموضوع، لكنى أزعم أنه ثقتنا فى القوات المسلحة تشجعنا على فتح الملف ونحن مطمئنون، ثم أن الشفافية التى تعزز الثقة تقتضى عدم تجاهله، وخير لنا أن نقترب منه ونحن نستشعر الاطمئنان وحسن الظن، بدلا من أن تسكت عليه فيثير آخرون اللغط من حوله بما يحمل البعض على إساءة الظن
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

0 التعليقات

شارك بتعليقك

:: تصميم : ويب توفيل | تعريب وتطوير مدونة الاحرار - 2012 | | تحويل القالب الي بلوجر سمبل دزاين | تابعنا على الفيس بوك | سياسة الخصوصية::