ديفيد إجناشيوس |
بدأ
اقتراب الرئيس أوباما من الإخوان المسلمين قبل ثلاث سنوات في خطابه الشهير
بالقاهرة في يونيو 2009، وقد دعا عشرة أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين
إلى الاستماع إلى الخطاب، واستمعوا إلى فقرة صيغت خصيصا لأجلهم:
«تحترم
أمريكا حق جميع الأصوات السلمية الملتزمة بالقانون في أن تحظى بالاستماع
إليها في جميع أنحاء العالم، حتى لو كنّا نختلف معها، وسوف نرحب بجميع
الحكومات السلمية المنتخبة شريطة أن تحترم جميع مواطنيها».
ولم
يحضر الرئيس المصري حسني مبارك الخطاب، ولكن كانت هناك رسالة له أيضا،
عندما قال أوباما: «لم يحدث أبدا أن نجح قمع الأفكار في القضاء عليها»،
وكان أوباما محقا بالتأكيد.
وقد
حققت إدارة أوباما ما يمكن وصفه بأنّه «الرهان العالمي» على نوايا الإخوان
المسلمين السلمية، كما ساعدت الولايات المتحدة في إضفاء الشرعية على
طموحاتهم السياسية عبر التودد إليهم في عام 2009، وعبر رفضها التدخل لإنقاذ
الرئيس المصري أثناء احتجاجات ميدان التحرير قبل عام، وقد ضمنت الولايات
المتحدة تقريبا بروز جماعة الإخوان المسلمين كقوة سياسية مهيمنة في مصر
جديدة.
ووصل
الإخوان الآن إلى سدة الحكم مع فوز «حزب الحرية والعدالة» بنحو 50 % من
المقاعد في برلمان ما بعد الثورة فى مصر. وأصدر مسؤولو الجماعة تصريحات
مطمئنة وكتابات مؤيدة لحرية السوق، بل إنّ هناك فيديو إخوانيا لموسيقى
الراب على يوتيوب بإيقاع جذاب، يتضمّن هذه اللازمة اللطيفة: «حرية بنحميها
وعدالة بنبنيها». ويبدو كل ذلك مطمئنا، لكن الثقة في جماعة الإخوان
المسلمين باعتبارها شريكا لم تختبر بعد إلى حد كبير، بل إنّ مسؤولين في
الإدارة يقرّون بأنّ التحول الديمقراطي في مصر سار على نحو أسوأ مما كان
متوقعا، وفي نفس الوقت تقود جماعة الإخوان المسلمين حركة المعارضة فى
سوريا.
ولا
شك أنّ جماعة الإخوان المسلمين مهمة لمستقبل العالم العربي، كما أنّها ما
زالت المنظمة الغامضة بالنسبة للغرب، لذلك فمن المفيد مراجعة تاريخها.
الواضح أنّ الجماعة منذ نشأتها وهي تركز على أهمية تحرير المسلمين من
ألاعيب الغرب، ويعتبر هذا التطلع إلى الكرامة والاستقلال أقوى مطالب
الإخوان، لكنه قد يجعل الجماعة شريكا صعبا.
وقد
تأسست الجماعة عام 1928 على أيدي مصريين يعارضون الاحتلال البريطاني، وجمع
مؤسسها، وهو مدرس يدعى حسن البنا، حوله ستة أصدقاء له يعملون لدى هيئة
قناة السويس. ومنذ البداية، وضعت الجماعة إجراءات تفصيلية لدرء المخبرين،
وسرعان ما انطلقت الحركة، التي كانت سياسية وثقافية ودينية في نفس الوقت،
ويشير أحد التقديرات إلى أنّ عدد أعضائها بلغ 200 ألف شخص بحلول عام 1938.
واغتيل البنا في 1949، بعدما هاجمت الجماعة حكم الملك فاروق الفاسد. وقام
سيد قطب، وهو شهيد عظيم آخر لجماعة الإخوان المسلمين، بشحذ الرسالة
المناهضة للغرب. وكان كاتب مقالات بارعا، شكّل اصطدامه بالحياة الأمريكية
في أواخر أربعينيات القرن الماضي وقعًا سيئًا عليه، فبعد زيارته لنيويورك
وواشنطن وكولورادو ولوس أنجلوس، خلص إلى أنّ «الروح ليس لها قيمة عند
الأمريكيين».
ويظهر
مقطع ورد فى كتاب لورانس ريات «البرج الماثل» اشمئزاز سيد قطب من الحرية
الجنسية التي شاهدها في أمريكا «فتاة تنظر إليك، تبدو كما لو كانت جنية
ساحرة أو حورية هاربة من البحر، ولكن مع اقترابها، فإنّك لا تشعر سوى
بالغريزة الصارخة داخلها، ويمكنك أن تشم رائحة جسدها الملتهب، لا رائحة
العطور ولكن اللحم، واللحم فقط». وعندما عاد قطب إلى مصر، انضم إلى
الإخوان، ورفض جميع مساعي حكومة جمال عبد الناصر للانضمام إليه أو التعاون
معه، وأعدم في عام 1966.
وفى
مواجهة قمع لا يلين، تطور التيار الرئيسي للإخوان إلى حركة سياسية تنكر
العنف على الأوراق على الأقل، ومدّت جذورها في النقابات المهنية المصرية،
وفازت بنحو 20 % من مقاعد البرلمان عندما سمح لها بخوض الانتخابات في 2005.
وقد تعلّمت الجماعة التحدث بلغة أكثر تصالحية.
وبهذه
النبرة المطمئنة، قال مسؤولو الإخوان إنّهم سوف ينافسون على 30 % فحسب من
المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لكنهم في الواقع خاضوا
الانتخابات في جميع الدوائر تقريبا، وفازوا بما يقارب الأغلبية. كما رتّبت
جماعة الإخوان المسلمين الفوز الحاسم في الاستفتاء على التعديل الدستوري في
مارس الماضي بنسبة 77 %، وربط الإخوان التصويت بحماية النص الذي يعتبر
الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
ويقول
أوليفييه روي، وهو خبير فرنسي متخصص في العالم الإسلامي، إنّ جماعة
الإخوان المسلمين سوف تتعلم الديمقراطية من خلال ممارستها: «الثقافة
الديمقراطية لا تسبق المؤسسات الديمقراطية، وإنّما الثقافة الديمقراطية هي
استيعاب هذه المؤسسات»، ويضيف أنّ هذا ما يراهن عليه أوباما في الأساس.