محمد موافي يكتب: مسلسل الفاروق.. ماذا بعد؟

 محمد موافي يكتب في جريدة "المصريون" : مسلسل الفاروق.. ماذا بعد؟ 


خذ بالك المسألة تقترب من مشكاة النبوة، فالعام الماضى شخصوا الحسن والحسين رضى الله عنهما، واليوم الفاروق، وأنا قد مستنى الدهشة وحلّقت فى سماوات سامقة، وأنا أقرأ وصف النبى صلى الله عليه وسلم، وقد أجاد فى ذلك صحابته الكرام، فغاية العلم فيه أنه بشرٌ، وأنه خير خلق الله كلهمِ.

وكذلك ترحمت على سيدى العقاد وهو ينقل لنا وصف شكل أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه، الذى كان يُرى ماشيا وكأنه راكب، كناية عن الطول، وكنت كلما تخيلت شكله احترت، فأى وصف يحتوى رجلا كان الشيطان يخاف منه.


وقصة مسلسل الفاروق الذى تذيعه فضائية عربية، قصة سخيفة، لا أحب أن أدخل على خط الجدال فى فتاويها المجيزة أو المحرمة، ويكفينى فتوى الأزهر القديمة، بعدم جواز تجسيد الصحابة، وهى الفتوى الرائعة التى منعت عرض مسرحية "الحسين ثائرا" لعبد الرحمن الشرقاوى.
القضية التى تهمنى، وتهم انشغالى بأبنائى، هى الفطرة السليمة، فأخشى ما أخشاه أنى لو شاهدت حلقة واحدة، ستصيبنى لوثة، تجعلنى كلما قرأت عن الفاروق أو تكلمت عنه، أستحضر صورة الممثل الذى لعب دوره، يا أخى حتى فعل "لعب" لا يليق بعمر.
حدث ذلك لأحد أصدقائى حينما تابع مسلسلا إيرانيا عن الصديق يوسف عليه السلام، حتى أصبحت صورة النبى يوسف فى ذهنه هى صورة الممثل الإيرانى التافه.
وطالما بدأنا مرحلة تشخيص الصحابة الكرام، فلن تتوقف المسألة عند هذا الحد الخطير، بل ستمتد حتى الرحمة المهداة، ولن تكون مفاجأة حينما يخرج علينا مخرج مغفل ليستغفلنا ويقدم لنا ممثلا يلعب دور النبى صلى الله عليه وسلم، فالمشاوير الشريرة، تبدأ بخطوة للوراء، وحتى لو تأخر التجرؤ بتشخيص دور النبى صلى الله عليه وسلم فى مسلسلاتنا، فلن يطول الزمن حتى تقدم لنا هوليوود فيلما عن السيرة النبوية، من بطولة أحد نجومها، ووقتها لن يحق لنا مجرد الغضب، فنحن من فتحنا الباب، أو نحن من سمح للباب أن ينكسر، بسماحنا لمسلسل يجسد حياة الرجل الذى كانت حياته بابا فى وجه الفتن.
أجدادنا رسموا لنا صورة الفاروق نثرا وشعرا وحكايات عذبة، ولم يضطروا لرسمه على الجدران، بل إن كلامهم عنه كان أجمل الصور والاستعارات والمجازات، ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم الذى أشرف بنقل تحليقه المسمى شعرا حين يقول:
قد راع صاحب كسرى أن رأى عمرا بين الرعية عُطلا وهو راعيها
رآه مستغرقا فى نومه فرأى فيه الجلالة فى أسمى معانيها
فقال قولة حق أصبحت مثلا وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهمُ فنمت نوم قرير العين هانيها
يا أمير المؤمنين، لا أعتذر إليك مما فعله الممثلون، بل أعتذر مما أفتى به سفهاء بدرجة شيوخ.
محمد موافي
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

0 التعليقات

شارك بتعليقك

:: تصميم : ويب توفيل | تعريب وتطوير مدونة الاحرار - 2012 | | تحويل القالب الي بلوجر سمبل دزاين | تابعنا على الفيس بوك | سياسة الخصوصية::