جمال سلطان يكتب في "المصريون" : رحيل عمر سليمان المفاجئ !
كما عاش غامضًا، مات أيضًا بغموض سيطرح أسئلة طويلة عن ملابسات موته أو مقتله حسب بعض التسريبات المتشككة، ذلك أن اللواء عمر سليمان، الذى يلقبونه بالصندوق الأسود لعصر مبارك، لم يكن صندوقا أسود لمبارك وحده، وإنما للعديد من الأجهزة الأمنية والاستخبارية فى المنطقة والعالم، وشهيرة هى قصة تعاونه الرهيب مع الاستخبارات الأمريكية فى مطاردة الجماعات الإسلامية حول العالم، وأذكر أننا فى "المصريون" قبل عدة أعوام نشرنا تقارير بالغة الخطورة عن الصحافة الأمريكية والكندية عن دور الأجهزة الأمنية السيادية المصرية فى عمليات تعذيب واسعة النطاق وقتل خارج نطاق القانون، طبعًا حينها لم ننشر أسماء، لكنهم هناك نشروها، كما كانت القصة وسياقها كافيين لكى يدرك القارئ من المعنى بالكلام والدور الخطير، حيث تحولت القاهرة إلى مركز دولى للتعذيب بالإيجار، حيث كانت الاستخبارات الأمريكية تتحاشى أن "تدنس" أيادى ضباطها بالتعذيب خشية أن يقعوا تحت طائلة القانون والعدالة، فكانوا يرسلون "الشحنات" إلى القاهرة من أجل أن يخضعوا للتعذيب وانتزاع الاعترافات، ثم يشحنوهم بعد ذلك، جثثا ميتة أو أشلاء ممزقة ومعها محاضر الاعترافات كاملة إلى "الصديق" الأمريكى، كما كان عمر سليمان يشرف على عمليات معقدة بعضها لحسابات خاصة والبعض الآخر لحسابات مبارك نفسه، وما زال ملف بعض المعارضين العرب الكبار الذين تم اختطافهم فى مصر وشحنهم إلى "الجلادين" ليتلذذوا بقتلهم على مهل أمام أعينهم لعل صدورهم المريضة تشفى من الغضب ما زال ملفًا مفتوحًا حتى الآن، فلا أحد يعرف من الذى خطف منصور الكخيا، القيادى الليبى الشهير الذى سبب إزعاجًا كبيرا للقذافي، من الذى خطفه فى قلب القاهرة وشحنه إلى ليبيا، لم يتكلم أحد حتى الآن، وتردد وقتها أن القذافى دفع فى العملية خمسين مليون دولار، كما كانت لعمر سليمان علاقاته الوثيقة مع الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، وكان يحظى بثقتها الكاملة ولم تخف الصحافة الإسرائيلية فرحتها الشديدة عندما تقدم للترشح كرئيس للجمهورية، وفى قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل تردد اسمه طويلا كشريك فى الصفقة، وكانت قوى المقاومة الفلسطينية، حماس والجهاد الإسلامى، يعانون مر المعاناة من ضغطه عليهم وتواطؤه مع عصابات محمد دحلان رجل إسرائيل الذى كان يرعاه كابن له، وذكرت صحف عالمية عديدة كلاما طويلا عن الدور الذى لعبه عمر سليمان من أجل الإطاحة بحماس من غزة وتبنيه موقف تشديد الحصار غير الأخلاقى على أهلها، كما كانت لعمر سليمان علاقات خاصة مع قيادات خليجية كبيرة، وكان الوحيد الذى يطمئن له مبارك على أسرار علاقاته المالية وغيرها مع الخليج ويرسله كمبعوث شخصى وخاص له دائمًا، وكل تلك الأدوار كانت تتم والرجل فى الظل وفى الغموض المطلق، لا أحد يعرف شخصيته بالضبط ولا أفكاره ولا توجهاته، كان كاتم أسرار عصر بكامله، ليس لمبارك وحده، ولكن لشبكة واسعة من الأجهزة والأنظمة فى المنطقة والعالم، لذلك يظل موته المفاجئ علامة استفهام كبيرة، هل قتلوه، ومن هم، هل مات بشكل طبيعى، هل تحدث بشيء أقلق أجهزة كبيرة فقررت تصفيته لتموت أسرارها معه، وكان سليمان فى الأشهر الأخيرة يبدى سخطا كبيرا من الأمريكان معتبرا أنهم "باعوا" مبارك، وطبعا باعوه معه، ووصل الأمر ببعض الجهات إلى الحديث عن أن الرجل قتل فى عملية التصفية التى تمت فى دمشق للخلية الأمنية والعسكرية التى تمثل عقل دولة بشار، والتى كانت تتداول خطط ومشروعات تصفية الثورة الثورية، وهى فرضية غريبة، ولكنها تكشف عن مستوى الغموض الذى يحيط بالرجل، فى حياته وفى موته، ولقد ظل عمر سليمان يعيش فى ظل مبارك العشر سنوات الأخيرة ينتظر اللحظة التى يتوج فيها بالسلطة من بعده، فشاءت إرادة الله أن يحترقا معا فى أسبوع واحد، عندما اضطر مبارك لتعيينه نائبا له بصلاحيات الرئيس، فلم يبق فى حلم حياته سوى أسبوع واحد، ثم أطاحت ثورة الشعب المصرى الجسورة بالاثنين معا.