خذوا الحكمة من أفواه الشعب - محمد الصاوي


فالشعب هو صاحب المصلحة الأصيل، وهو النموذج الأمثل والركن الرئيسى للديمقراطية التى لا يمكن تعريفها إلا بالشعب وإرادته الحرة.


الديمقراطية اخترعتها الشعوب، وفرضتها على الحكام منذ قديم الزمان.. تطورت أنظمتها وتعقدت، لكن الفكرة الأصلية تظل كما هى: إقرار تام لحق الشعب فى اختيار حكامه، وإملاء إرادتهم عليهم فى كل ما يفعلون ويتخذون من قرارات باسم الشعب، الذى حمّلهم هذه الأمانة الموقوفة والمرهونة باستمرار رضا الشعب عنهم.كنت أعرف هذه الحقائق نظرياً فقط، حتى قامت ثورة 25 يناير، ووجدتها تتجسد أمامى ككائن حىّ يمكنك أن تعاينه وتلمسه وتنصت إليه.


أحببت صوت الثورة وحكمة الشعب المصرى: هتفنا برحيل الطاغية وسقوط النظام وسقوط حكم العسكر تعبيراً عن اشتياقنا جميعاً للشرعية القائمة على الدستور والقانون وليس على القوة التى تغرى المسيطر عليها باستعباد الناس والاستبداد بهم.


هتفنا: «إيد واحدة»، وهتفنا للجيش الذى نعتز به، ونفتخر بأبنائه الذين اختاروا أن يكونوا حماة لوطن يفتدونه بأرواحهم.. أما الساعون للحكم منهم - وهم قلة - فلا يجوز أن يغيروا مشاعرنا نحو جيشنا العظيم وتضحياته الكبرى. هتفنا للكرامة والعدالة الاجتماعية، وقبلهما لتلك الكلمة السحرية التى تذيب قلوب الشرفاء: الحرية!


اليوم يهتف الناس: «الثورة مستمرة»، ولهم كل الحق بعد أن شعروا بأن أعداءها بدأوا فى تنظيم صفوفهم، أملاً فى العودة.


تلك العودة التى لا يساورنى شك فى أنها ستكون - لا قدر الله - مقبرة الأحرار جميعاً. على غير العادة كانت خطواتى ثقيلة طوال اليوم البرلمانى الذى انتهى حوالى الثامنة مساءً لأجدنى متجهاً إلى هناك.

تسارعت خطواتى، وازدادت قوة وأنا أغوص وسط الجموع، وجسدى يتشبع بالإشعاعات والطاقة الرائعة المنتشرة فى المكان، حتى دخان عربات البطاطا لم يزعجنى، وأنا من أشد أعداء التدخين بجميع أشكاله.


فى لمح البصر استعدت ذكريات الميدان كلها، واكتشفت أن العقل البشرى له قدرة عجيبة على استعادة المشاهد والأحداث والأصوات وروائح الغاز القديم، بل والجديد أيضاً. أنعم الله علينا بالنسيان كما أنعم علينا بقدرة فائقة على القفز إلى زمنٍ تصورنا أنه انقضى! اكتشفت عند ذوبانى فى الجموع أن بعض الزمن يبقى.. كالثورة والشهداء، ولا يرحل.. كالطغاة وأعوانهم الذين مازالت حلاوة الروح تغذى غرورهم.
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

0 التعليقات

شارك بتعليقك

:: تصميم : ويب توفيل | تعريب وتطوير مدونة الاحرار - 2012 | | تحويل القالب الي بلوجر سمبل دزاين | تابعنا على الفيس بوك | سياسة الخصوصية::