ماذا لو كنا التزمنا بفترة انتقالية لمدة 6 أشهر بعد استفتاء 19 مارس تبدأ بانتخابات تشريعية فى مايو 2011 وتنتهى بانتخابات رئاسية فى سبتمبر. ساعتها كنا سنجد عددا أكبر من شباب الثورة وقواها النابضة فى البرلمان، وعددا أقل من السلفيين والإخوان فى البرلمان، ورئيسا غالبا ليس إخوانيا أو سلفيا، على الأقل بحكم أن الإخوان حتى سبتمبر الماضى كانوا ملتزمين بما سبقوا وأن ألزموا به أنفسهم من عدم ترشيح أحدهم فى الانتخابات الرئاسية والاحتفاظ بنسبة الثلث فى انتخابات البرلمان.غالبا كنا سنجد حكومة مسئولة أمام البرلمان توقف هذا التراجع الأمنى والاستنزاف الاقتصادى.
غالبا كنا سنجد أنفسنا أمام جمعية تأسيسية للدستور أكثر توازنا، وربما كنا سنجد أنفسنا أقرب إلى ما فعله الإندونيسيون بعد تحولهم الديمقراطى فى عام 1998 حين قرروا أن يستفيدوا من عناصر الهوية الجامعة التى عاشت معهم لعقود فى دستور الاستقلال الصادر فى عام 1946 وتغيير المواد الخاصة بالتوازن بين السلطات والحريات فقط.
غالبا كانت روح الثورة وما أنتجته من فائض طاقة ستستمر معنا لتتحول إلى طاقة بناء وعمل بدلا من أن تتحول إلى طاقة تدمير وإشاعة للفزع والفرقة والهمز واللمز.
غالبا ما كان للقوات المسلحة أن تتورط فى أحداث أدت إلى إسالة المزيد من الدماء وخلقت مرارة كنا فى غنى عنها.
غالبا كانت ثورة مصر ستستجل فى التاريخ باعتبارها واحدة من أكثر ثورات العالم تحضرا وسلمية وكفاءة فى نقل السلطة.
هل مصر معمول لها عمل؟ هل فيه عكوسات فى العقلية المصرية تمنعها من أن ترى الحق حقا وترى الباطل باطلا؟ هل لابد من الخلاف لدرجة العداء؟
هل لو كنا انتخبنا جمعية تأسيسية مباشرة، بدلا من الانتخاب على درجتين، كنا سنجد جمعية تأسيسية مختلفة فى مكوناتها وأوزانها النسبية؟ ربما، ولكن لأى مدى. من يراجع أداء التيار المحافظ دينيا فى انتخابات 2005 مثلا سيجد أنهم فازوا فى المرحلتين الأولى والثانية بـ 88 مقعدا من 120 مرشحا أى بنسبة 73% بالمائة من المقاعد، وهى تقريبا نفس نسبة الاستفتاء فى مارس الماضى، وهى نفس نسبة انتخابات مجلس الشعب الأخيرة تقريبا. فهل كنا سنجد أن نسبة التيار المحافظ دينيا بعيدة عن السبعين بالمائة فى الجمعية التأسيسية لو كانت أنتخبت مباشرة؟
أم كان الأوفق أن نعرف أننا مجتمع غير ديمقراطى، ولا يعرف أخلاقياتها ولا قيمها وممارساتها، وكان ينبغى أن يكتب المجلس الأعلى للقوات المسلحة دستورا جديدا ويفرضه علينا، وربما يتم تزوير نتيجة الاستفتاء وكأن الثورة لم تقم؟ دارسو العلوم السياسية يعولون كثيرا على الثقافة السياسية للنخبة السياسية وللجماهير فى تفسير لماذا تنجح بعض التجارب الديمقراطية ولماذا تفشل. الشك المتبادل والنزعة نحو الإقصاء والتصعيد والترصد والتصيد تجعلنى أقول إننا جناة فى حق أنفسنا، وسندفع فاتورة باهظة قبل أن نتعلم كيف نتبنى قيما تسمح لنا بأن نكون جديريين بالديمقراطية.




