قطب العربي يكتب: حصار الأغلبية .. وترشيح الشاطر

لم يكن مستغربا أن  يتحرك حزب الأكثرية النيابية في مصر للدفاع عن إرادة الناخبين بعد عمليات الحصار المتكرر التي تفرض عليه منذ  بداية انعقاد جلسات مجلس الشعب أواخر يناير الماضي،  فمنذ أن انطلقت أولى الجلسات كان هناك حرص من أطراف عديدة على إظهار البرلمان في صورة العاجز عن أي شيء، وإدخاله في دوامة من المشكلات التي تظهره أمام الرأي العام على تلك الصورة العاجزة، ومن ذلك اصطناع أزمات في الخدمات اليومية للمواطنين مثل البنزين والسولار وأنابيب البوتاجاز، ورغم أن مواجهة هذه الأزمات هي مهمة السلطة التنفيذية التي يديرها المجلس العسكري بمعاونة مجلس الوزراء، إلا أن المواطنين لم يجدوا أمامهم سوى البرلمان الذي منحوه أصواتهم ليحل لهم مشاكلهم.

 وقد تحرك البرلمان فعلا لمواجهة تلك الأزمات في حدود الدور الرقابي والتشريعي المنوط به، لكن وزراء الحكومة لم يكونوا متعاونين بالقدر الكافي معه، بل إنهم راحوا يرددون أكاذيب عن مضاعفة ضخ البنزين والسولار والبوتاجاز في حين تؤكد منافذ التوزيع النهائي انخفاض الحصص التي تصلها، والأغرب من كل ذلك أن تشاهد الحكومة الشاحنات التي تفرغ حمولات البنزين والسولار في الصحراء دون أن تتحرك كما ينبغي، وهي تعلم من يقوم بهذه العمليات.


وحين تحرك مجلس الشعب لحجب الثقة عن الحكومة وطالب حزب الأكثرية النيابية بتغييرها اتضح أن المجلس العسكري يرفض هذا الأمر تماما، ما يعني حرصه على الإمساك بمقاليد السلطة حتى لو أضطر للتسليم الصوري لها في الموعد المحدد بـ 30 يونيو، أضف إلى ذلك صدور تهديدات من بعض أعضاء المجلس العسكري والحكومة بقرب صدور حكم قضائي بحل مجلس الشعب بدعوى أن طريقة انتخابه بالقائمة والفردي، ودخول الحزبيين على مقاعد الفردي،  مخالفة للقانون رغم أن هذا القانون أقره المجلس العسكري بعد تشاور مع المحكمة الدستورية .
إذًا، نحن أمام خطة محكمة لضرب الثورة عبر حل أهم منجزاتها حتى الآن، وهما مجلسا الشعب والشورى، إضافة إلى نوايا عدم التسليم الحقيقي للسلطة لحكم مدني.


إزاء ذلك  لم يكن بوسع جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وكل الغيورين على الثورة، الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هذه المحاولات بعد كل التضحيات التي قدموها  من أجل الحرية والكرامة وانهاء الحكم العسكري.


 ومن هنا جاء قرار الدفع بمرشح من قلب جماعة الإخوان المسلمين لرئاسة الجمهورية بعد أن وجدت الجماعة أن الخيارات الأخرى سواء دعم مرشح قائم أو ترشيح مرشح ذو خلفية اسلامية غير حزبية، أو ترك التصويت حرًا، غير مناسبة.


ما إن أعلنت الجماعة قرارها في المؤتمر الصحفي مساء السبت حتى انقلبت الدنيا رأسًا على عقب، وارتدت الفضائيات ثياب الحزن والحداد، وكأن هولاكو قد  وصل إلى مصر من جديد، ضاربين بعرض الحائط أبسط مبادي الديمقراطية والتعددية السياسية التي تقضي بحق كل حزب سياسي في ترشيح من يراه مناسبًا لهذا المنصب الرفيع، وكأن هذا الحق مكفول فقط لبعض الفصائل وبعض الأفراد، محظور على الإخوان ، وكأن الثورة لم تقم، وكأن الإخوان لاتزال جماعة محظورة يمتنع عليها التقدم لهذا المنصب.


ورغم أنني شخصيا كنت ممن يرون ترك الحرية لأفراد الجماعة والحزب في اختيار من يرونه مناسبًا وفقا لمعايير موضوعية، ورغم أنني حاولت تسويق وجهة نظري التي شاركت فيها الكثير من أبناء الجماعة والحزب باعتبارها أخف الأضرار، إلا أنني لا أملك إلا احترام قرار الجماعة وقرار الحزب الذي صدر بعد جلسات ممتدة للشورى استمرت ما يقارب العشرين ساعة عبر 3 جلسات ناهيك عن الحوارات والجلسات والاجتماعات والندوات الأخرى غير الرسمية لمناقشة هذا الأمر والتي شارك فيها عدد كبير من الإخوان.


يقول المعترضون إن الإخوان خالفوا تعهداتهم السابقة بعدم تقديم مرشح رئاسي، وكأن هؤلاء المعترضين قد أمسكوا على الإخوان زلة، بينما لم ينكر الإخوان أنهم عدلوا قرارهم لما رأوه صالحا عاما، وهم في ذلك متبعون لهدي سلفهم الصالح الذي أفتى بجواز تغيير الفتوى مع تغير الزمان والمكان،  وقد أباح المصطفى صلى الله عليه وسلم  لمن أقسم قسمًا ثم وجد الخير في غيره أن يعود عن قسمه الأول،  كما أن الإمام الشافعي أفتى في مسألة  في العراق ثم عاد ليخالفها حين قدم إلى مصر، ولم يقل عنه أحد إنه بدل وغير، أو أنه منافق والعياذ بالله، كما أن الإخوان حين عدلوا قرارهم انطلقوا من تغيرات مهمة على الأرض دفعتهم لتعديل القرار السابق صدوره يوم 10 فبراير، أي قبل ترك مبارك للسلطة بيوم واحد، وكان المخلوع وقتها يحاول استعداء العالم الخارجي بقيادة أمريكا على الثورة بزعم أن البديل له هو الإخوان المسلمون، فأراد الإخوان انقاذ الثورة عبر قرارهم بعدم الترشح، ربما كان خطأ الإخوان أنهم ألزموا أنفسهم في ذلك الوقت بما لا ينبغي الإلتزام به في عالم السياسة المتغير بطبيعته، ولكن حرصهم على انقاذ الثورة كان دافعهم لذلك، أما وقد تغيرت الظروف وأصبح الغرب متقهما وقابلا للتعاون مع نظام حكم إسلامي معتدل حسبما صرح الكثير من المسئولين الغربيين، وبعد أن قام معظم سفراء الدول الغربية الكبرى وعلى راسهم سفراء أمريكا وبريطانيا وفرنسا وأسبانيا وألمانيا بزيارات متكررة  للإخوان ولحزب الحرية والعدالة فلم يعد هناك مبرر للخوف من طرح مرشح إخواني.


كان المهندس خيرت الشاطر أكثر الرافضين لترشحه للرئاسة حين طرح البعض هذا المقترح خلال الأيام الماضية، وله في هذا الأمر تصريحات منشورة يريد البعض إحراجه بها حاليا، ولكن الرجل تخلى عن موقفه الشخصي ليلتزم بقرار الشورى الذي كلفه بهذا الترشيح رغم ما يحمله من مخاطر شخصية له، وهذا موقف يحسب له لا عليه، وأصبح لزاما عليه أن يبدأ حملة انتخابية مكثفة يسابق بها الزمن، ويسابق بها مرشحين آخرين يصولون ويجولون منذ أكثر من عام في ربوع مصر وعبر فضائياتها.


حالة الهلع التي انتابت معارضي الإخوان تنبئ عن كفر بالديمقراطية والتعددية الحزبية، وعلى هؤلاء المعارضين أن يراجعوا مواقفهم، وفي الوقت نفسه على الإخوان أن يتوقعوا كل شيء في عالم السياسة والانتخابات
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

0 التعليقات

شارك بتعليقك

:: تصميم : ويب توفيل | تعريب وتطوير مدونة الاحرار - 2012 | | تحويل القالب الي بلوجر سمبل دزاين | تابعنا على الفيس بوك | سياسة الخصوصية::