
من غير أن يقصد، قدَّم اللواء عمر سليمان خدمة عظيمة للثورة المصرية عندما ترشح أو دفعه آخرون للترشح فى انتخابات الرئاسة قبل أن يخرج منها غير مأسوف عليه؛ فقد كان ترشح عمر سليمان فرصة لكى تتحرك "الخلايا النائمة" للثورة المضادة، والفلول المعشّشة فى أكثر من جهاز سياسى وإعلامى وصحفى بعد أن تصور الناس أن الثورة أنهت كل شىء وطهرت تلك الجُحور، لم يكن أحد يتصور أن صحيفة مثل الأهرام أو الأخبار مازالت تخضع لكل هذا النفوذ من الفلول وخلايا الثورة المضادة، التى ما إن وجدت بصيص أمل فى ضرب الثورة ووقف مسارها، حتى خرجت من جحورها ورفعت أصواتها وهللت وراحت تضرب فى قوى الثورة وتلمّع فى عمر سليمان وما يمثله، صحيفة الأهرام على سبيل اكتشفت فجأة أن عمر سليمان بطل قومى، وأنه كان ضحية النظام السابق الذى حاول تصفيته، ووصلت البجاحة بالصحيفة أن تنشر يوم الجمعة فى العدد الأسبوعى المميز لها تقريرين إخباريين رئيسيين فى الصفحة الأولى عن عمر سليمان، وهذا لم يكن يحدث إلا لمبارك نفسه أيام مجده، وكذلك فعلت "الأخبار" وأصبحت تفرد مساحات واسعة لتغطية مسيرة عمر سليمان وإنجازاته، وأنه "أمل المصريين" وحوارات موسعة معه يجريها صحفيون حتى من خارج الصحيفة، بما أعطى انطباعًا أن "جهة" ما نسقت مع الصحيفة نشر تلك الحوارات كما وردت، وفى الفضائيات ـ ومعظمها يمتلكه الفلول وينفق عليه بسخاء من أموال الفلول ـ حَدِّثْ ولا حرج عن "هوجة" عمر سليمان، والفل الشهير عادل حمودة راح يبشر بعمر سليمان وصُندوقه الأسود ويسبح بحمد مجده وإنجازاته ويهاجم خصومه بضراوة، وآخرون فى فضائيات الفلول ممن بكوا على مبارك بدمع العين منعوا ضيوفهم من انتقاد عمر سليمان أو نقده بشدة، وأبدوا استنكارهم لقلق "البعض" من ترشح عمر سليمان، وأن هذا حقه الدستورى كمواطن، ونشطت جهات فى الإدارات المحلية وفى أجهزة رسمية فى حملة جنونية لانتزاع عشرات آلاف التوكيلات له على مستوى الجمهورية خلال أقل من يوم واحد، بعضها بالشراء المباشر، وبعضها بالضغط على أصحاب مصالح لانتزاع التوكيلات مقابل إنهاء مصالحهم، ثعابين وحيَّات وحشرات كثيرة كانت فى الجحور نائمة ومختبئة أخرجها عمر سليمان إلى النور فجأة، قبل أن يختفى فجأة ويعود إلى الظلام الذى منه جاء!، وبطبيعة الحال اختفت الآن صفحات عمر سليمان وأمجاده وبطولاته فى تلك الصحف والفضائيات، وعادت الأفاعى والحيات والحشرات إلى جحورها للاختباء، ولكن الرأى العام وقوى الثورة وأحزابها وكتلها السياسية وضعت أيديها بوضوح كافٍ على تلك الخلايا النائمة وأماكنها والجحور التى خرجوا منها وكُشفت الغطاء عن البعض الذين كانوا قد ركبوا موجة الثورة، وظنوا أنهم خدعوا الناس وغسلوا سمعتهم.
مَيزة هذا "الإنجاز" الذى حققه عمر سليمان أنه وضع خريطة طريق للتطهير الإعلامى والسياسى يسهل على حكومة الثورة المقبلة وبرلمان الثورة إنجازه بأسرع وقت وأقل تكلفة، كما كشف "إنجازه" لقوى الثورة حقيقة أن التطهير الإعلامى والصحفى والسياسى مازالت له أولوية قصوى لتأمين مسار الوطن نحو الديمقراطية، وقطع الطريق على "الفلول" وطَىّ صفحة الماضى بشكل نهائى، والمؤكد أن قانون العزل السياسى هو خُطوة أولى، ولكنها لن تكون الأخيرة فى هذا الطريق
