د. الحملاوي صالح يكتب: التربية بالحب ... مدخل لصناعة الإنسان ( 1 )

(وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني) ، المتأمل لذلك البهاء القرآني ، الذي يسحر اللب والفؤاد ، يرى أكمل النماذج وأروعها على الإطلاق ، كمدخل لصناعة الإنسان الكامل ، إنها : التربية بالحب ، هكذا أخبرنا القرآن الكريم عن رعاية الله  لموسى ( عليه السلام) وتنشئته .د. الحملاوي صالحومن المسلمات أن اللبنة الأولي نحو تربية الأبناء تربية سوية هي: الأسرة ( الأب والأم) ـ ونقصد هنا ـ الأسرة السوية غير المضطربة أو المريضة ، وسيكون حديثنا أولا : عن البيئة الآمنة الحاضنة للطفل ( أسرته ) ، وخاصة أم الطفل ،  فآسيا زوجة فرعون أخبرتنا عن المدخل المثالي للبيئة الآمنة للطفل بقولها : ( قرة عين لي ولك ) ، فسعادة الأم بمولد الطفل ، سينعكس قولا وفعلا على كافة تعاملاتها مع ذلك الطفل ، لكن ماذا لو كانت تلك الأسرة مضطربة ؟ فاقدة للعطاء في أبسط اشكاله ! وهو التعبير بصورة واضحة عن محبة الطفل ، يقول بعض علماء النفس : أن الأسرة هي الأسبق فى الاضطراب من الفرد ، لذلك ؛ فالفرد هو ضحية للأسرة المضطربة ، وغالبا ما يكون هذا الفرد هو أضعف حلقات الاسرة ، وبالتالي فهو المرشح لكي يكون العضو الذي تعبر الأسرة عن اضطرابها من خلاله ، وبالتالى نحن نكون أمام أسرة مولِّدة للمرض ، وهذه الأسرة يسودها زواج قائم على المصلحة لا على الحب ، وزوجين غير ناضجين ، متسلطان ، روح الحوار بينهما غائبا في أغلب الأحيان، الثقة بالنفس منعدمة بينهما ،  ويبوحان بأسرارهما للغير، إضافة للتقليد الأعمى للغير ، والتصنع في السلوك وفي الحياة الاجتماعية، والهروب من المسؤولية وتحميلها للطرف الآخر، والفقر الشديد مع كثرة الأولاد، وتدخل الأهل من الجانبين في الحياة الأسرية بقصد إيذاء أحد الطرفين، الغيرة المفرطة لأحد الزوجين على الآخر مما يدفعه إلى الشكوك المرضية، سوء أخلاق الزوجين أو أحدهما، الخلافات المستمرة بين الزوجين ، وكثير من الصفات التي تؤدي إلى تكوين أسرة مضطربة.
والحقيقة أن الطفل الذي يتواجد في أسرة لها من الصفات المذكورة أعلاه فإنه لن يجد مثالا يقتدي به إلا ما يعيش فيه، ومن هنا يظهر عددا من المشكلات عند الطفل الذي يعيش في الأسرة المضطربة، ومن هذه المشكلات: الاضطرابات النفسية والسلوكية والتي تشمل : المخاوف المتنوعة، والتبول اللإرادي ، قضم الأظافر ، تصلب العواطف ( لا يتألم من أي موقف مؤلم نفسيا )، التوتر المستمر، ونقص أو غياب الدافعية نحو كل ما يرضي الوالدان مثل: التفوق في الدراسة ، مع الإصرار على السلوك التخريبي انتقاما من أسرته المضطربة ، وهناك مشكلات أخرى مثل : الكذب، الغيرة، السرقة، سرعة الغضب من الناس، والعدوان على الغير، ويكون الطفل صاحب شخصية خائفة دوما ، لأن الأب القاسى المتشدد الذى يضرب ابنه باستمرار ، ويعاقبه على كل صغيرة وكبيرة , تتسبب معاملته هذه فى خوف الإبن الشديد ، ليس من الأب فقط ، وإنما من كل رجل فى موقع سلطة أو نفوذ ، وعندما يصبح المنزل ثكنة عسكرية تصدر فيها الأوامر دون نقاش أو تفاهم، فإن الرسالة التي تصل للأبناء :  عليكم التنفيذ فقط ،  لأنكم لن تفهموا الأسباب ؟  ونحن لن نشرحها لكم!!! وهكذا يكبر البناء ولديهم اعتقاد راسخ بأنهم لا يفهمون وغير قادرين على الاستيعاب ، كما يحد هذا من قدراتهم العقلية والابتكارية؛ حيث لا يثقون في أنفسهم لأن أحداً لا يثق فيهم. ونحن نعلم أننا نتعلم أن نثق في أنفسنا عندما نجد أقرب الناس ألينا يثقون فينا، ونتعلم أن نحب أنفسنا عندما نجد أن أقرب الناس يحبوننا . وعندما لا يثق فينا أقرب الناس، لا نثق في أنفسنا وعندما لا يحبنا أقرب الناس لنا، فكيف نحب أنفسنا ؟!
وهذا يجعل أطفال هذه الأسرة عندما يشبون عن الطوق غير قادرين على النجاح في المستقبل بهدف تكوين أسرة سوية ،  وغير قادرين على إتمام المشاريع أوالمثابرة ، وذلك لفقدانهم الدافع الداخلي.
ويرى بعض علماء النفس مثل "اريكسون"  إن السلوك فى مراحل النموـ وخاصة بعد سن البلوغ ـ يكاد أن يخضع لتحكم العقل الواعي والشعور بشكل حاسم لما اكتسبه الطفل في طفولته، وبالتالي فان الفرد يستطيع أن يعي وأن يفهم – ولو بدرجة محدودة فى البداية – دوافع وأسباب سلوكه : وهو أنه ضحية لأسرة مفككة ،  لذلك فالمحبة بين الزوجين هي الوجه الآخر للأسرة السوية ، ونحن نعلم أن المرأة السعيدة في زواجها تتمتع بجهاز مناعة أقوى من المرأة غير السعيدة ، لذلك فالمحافظة على سعادة وصحة الأسرة  ليس له غير طريق واحد هو " المحبة بين الزوجين " ، وما أروع أن يتعامل الزوجان بالفضل لا بالعدل  ،،،،
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

0 التعليقات

شارك بتعليقك

:: تصميم : ويب توفيل | تعريب وتطوير مدونة الاحرار - 2012 | | تحويل القالب الي بلوجر سمبل دزاين | تابعنا على الفيس بوك | سياسة الخصوصية::