شاعت السلطة الدينية في المجتمعات القديمة تحت مسمي الحق الالهي في الحكم وهو ما يعني ان الحاكم يحكم لأن هناك صلة تربطه بالسماء. نجد ذلك في الحضارة المصرية القديمة وفي الحضارة الفارسية وفي روما القديمة في مرحلتها الوثنية، حيث كان الحاكم ابن السماء ثم في مرحلتها المسيحية حيث اصبح الحاكم رئيس الكنيسة
وفي السلطة الدينية الشعب ليس له أي صلاحيات لا تشريعية ولا تنفيذية ويترتب علي ذلك منعه من حق مساءلة الحكام ومحاسبتهم ومنعه من حق الثورة عليهم أو تغييرهم واستبدالهم، وموقف الاسلام من السلطة الدينية موقف حاسم وصريح لا غموض فيه، وهو موقف الرفض التام فالقول بالسلطة الدينية يعني إضفاء العصمة والقداسة علي شخصيات هذه السلطة وهذا أمر ينفيه الاسلام ويقاومه ويمنعه.
والعصمة التي صاحبت شخصية الرسول - صلي الله عليه وسلم- كانت تتعلق بالنبوة والوحي أي بالدين اما جانب الدنيا في اقامة الدولة وتسييس الأمة وتسيير شئون المسلمين، فكان الرسول يجتهد برأيه ويشاور اصحابه وكثيراً ما أخذ بآرائهم أو أقر بأفعالهم وفي حديثه، (ما كان من أمر دينكم فإلي وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به) أو بوفاة الرسول صلي الله عليه وسلم أدرك الصحابة أن سلطانه الديني في التحدث باسم الوحي قد انتهي وأنه لا يحق لاحد ادعاء وراثة هذا السلطان.
وكان منهج الصحابة في تسيير أمور الدنيا والسياسة هو الاجتهاد في ضوء مقاصد الإسلام وغايته وكلياته، فتم اختيار الخلفاء بالاختيار والعقد والبيعة وقد نبه الصديق أبو بكر المسلمين إلي الفرق الجوهري بين حكمه - وبالتالي حكم من سيليه - وحكم الرسول، فالرسول كان يعصم بالوحي وكان معه ملك اما ابو بكر - كما يقول عن نفسه - فمثله مثل كافة البشر معه شيطان يوسوس له، ويطلب ابو بكر من الناس القيام بدورهم في مراقبة الحاكم ومحاسبته »فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني«.
وعلي المنهج الاسلامي الواضح الرافض للسلطة الدينية سار الفكر الاسلامي في عمومه فمعظم المذاهب الاسلامية تري أن السلطة في الاسلام مدنية وليست دينية، لكن حدث في التاريخ الاسلامي بعض الممارسات الضيقة التي خرجت عن هذا الفهم وتطبيقاته وينظر إليها علي أنهاء استثناء يؤكد القاعدة العامة كما أنها كانت ممارسات فعلية ولا تمس الإطار المرجعي الاسلامي العام الرافض للسلطة الدينية. وفي المقابل يأخذ المذهب الشيعي بالنقيض تمامًا ويوحدون بين السلطة الدينية والسلطة السياسية في نظريتهم في الإمامة وهو ما يجب ان ننتبه اليه عند الحديث عن تجربة إيران في الحكم.
أيضاً برزت دعوات سياسية علي مدار التاريخ الاسلامي تقول إنه لا حكم إلا لله وتنادي بشعار "الحاكمية لله وحده" وحقيقة دعواها أنها تقوم علي اساس واه من الفهم الخاطئ لنصوص قرآنية ونبوية. فهذه الدعوات هي صدي لفكر "الفتنة" القديمة التي نشأت بين علي ومعاوية فيذهبون الي أن السلطان السياسي في الامة ليس من حق الشعوب فالبشر ليسوا هم الحاكم في مجتمعاتهم وإنما حكم الامة هو حكم خالص لله تعالي دوناً عن البشر.
وشعار الحاكمية لله وحده إذا نظرنا له بعين الشريعة وبعين العقل نجد أنه يصادر حق التفكير وحق النقد، فمن من المسلمين ينكر حكم الله؟ والآية تقول "إن الحكم إلا لله أمر ألا نعبدوا إلا إياه". وأيضًا هناك من يجادل في سلطات الأمة أمام سلطان الله عز وجل، وذهب الي القول إن نظام الحكم الاسلامي ينتمي إلي نظم الحكم الحتمية فهي حكم تنتفي فيه إرادة البشر ولا توجد إلا إرادة الله وحده، ومن المهم ان نعلم أن مبدأ التقسيم هذا نفسه هو الحتمية والحتمية مبدأ خطأ لأنه في حقيقة الأمر ليس هناك إلا نظام سياسة إرادية بشرية فالسلطة في أي مجتمع من المجتمعات وفي ظل أي نظام كان وتحت اية فلسفة وبغض النظر عن الشعارات هي في يد البشر من حيث التشريع والقضاء والتنفيذ، وحتي في الحالة الاسلامية فإن البشر يمارسون التشريع من خلال الاجتهاد في المسائل الفرعية والمسكوت عنها في الأدلة الشرعية.
وعليه فأن التقسيم الحقيقي هو وجود نظم ديكتاتورية ونظم ديمقراطية. كثير من العلماء والمفسرين ذهبوا الي أن لفظ »حكم« الوارد في القرآن الكريم يرد بمعني »القضاء« والفصل في المنازعات أما مدلوله السياسي فهو مدلول معاصر يرجع الي حياتنا وقد قام اصحاب دعوة الحاكمية لله بتطبيقه وتنزيله علي اللفظ القرآني.
نعلم جميعاً أن العلمانية نشأت في أوروبا وهي تقف كطرف مقابل لكل ما هو مقدس أو خارق للطبيعة أو التقليدي الجامد الذي لا يراعي التغيير والتجديد وهذه الصفات تنطبق علي ماهو ديني أو كهنوتي فالعلمانية نقيض الدين والكهنوت.. وقد لعبت العلمانية الأوروبية الدور الحاسم في القضاء علي سلطة الكنيسة الكاثوليكية الكهنوتية والانتقال بأوروبا من العصور الوسيطة المظلمة الي عصور الإحياء والتنوير والحداثة.
نشأت العلمانية في أوروبا بسبب طبيعة الحياة فيها علي مدي قرون طويلة فقد سيطرت الكنيسة علي الحكم وأقامت حكما دينيا استبدادياً قام علي اضطهاد مخالفيه ومحاربة العلم والتجديد واضطهاد العلماء الذين يخالفون حقائق الكنيسة واضطهاد الأحرار الذين يرفضون العقائد الكنسية البعيدة قليلا علي العقل البشري.
العلمانية إذن كانت ضرورة حتمية لأوروبا ولولاها ما قامت الحضارة الأوروبية الحديثة وهذا صحيح لكن تطبيق هذا التتابع بين العلمانية والنهوض ليس صحيحاً.
الموقف في الإسلام مختلف تماما فليس في الاسلام دولة دينية ولا سلطة مقدسة ويرفض الاسلام مفهوم رجل الدين ويرفض الكهانة والكهنوت، ولم يشهد علي مدي تاريخه اية مؤسسات قمعية تقوم بقمع العلم ومحاربة العلماء والمجددين، الاسلام لم يشهد علي مدي تاريخه المشكلة التي عاشتها أوروبا لعدة قرون، وبالتالي فهو ليس في حاجة إلي هذه العلمانية التي تمثل حل المشكلة الأوروبية. أنا لا أقول مفاجأة حين أذكر أن خصائص المجتمع العلماني خصائص وجدت في الاسلام قبل العلمانية ذاتها.. نعم هذه حقيقة.
المجتمع العلماني يعلي من قيم النفعية والاسلام يعلي من شأن المصلحة والغايات والمقاصد والقاعدة الاسلامية الشهيرة تقول: ما يراه جمهور المسلمين حسنا فهو عند الله حسن.
والمجتمع العلماني يدعم التغيير والتجديد، ورسول الاسلام انبأنا بأن الله يبعث كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة دينها، وكل القيم الإيجابية للعلمانية توجد بالفعل في الاسلام فإذا ما اضفنا ذلك إلي ما سبق قوله إن خصوصية الحياة الأوروبية في العصور الوسيطة هي التي أدت إلي نشأة العلمانية فإن النتيجة التلقائية هي أننا لا نحتاج إلي العلمانية الأوروبية إطلاقًا في مجتمعاتنا العربية الإسلامية.
والمشكلة التي انتجت العلمانية كحل وعلاج لا نعرفها من الأساس، بالتالي نحن لا نحتاج العلمانية كدواء لأن الداء نفسه لا نعاني منه.. وما نعاني منه هو الانهزام أمام الثقافة الغربية ومفاهيمها بل والمدهش تبني نفس المشكلات التي يعاني منها الغرب ثم تبني نفس الحلول متجاهلين بذلك خصوصية المجتمعات البشرية واختلافاتها الثقافية والواقعية العميقة فيما بينها.
وهكذا يرفض الاسلام السلطة الدينية ويرفض محاولات الجمع بين السلطتين السياسية والدينية في كيان واحد ويرفض أيضا في المقابل الفصل التام بين الدين والسياسية وشئون الدنيا. وقد ذكرت مرارًا أن الاسلام يقر التمييز بين الدين والدولة لا الفصل بينهما، وهو ما يعني أن الإسلام يقول بمدنية السلطة السياسية وبشريتها، وأن طريقها هو الشوري والانتخابات والعقد وأن الحاكم نائب او وكيل عن الامة وليس نائباً عن الله وأنه مسئول امامها فمن حقها مراقبته ومحاسبته وتقويمه وعزله.
ولكن مدنية السلطة لا تعني فصل الدين عن شئون السياسة والمجتمع، لأن الإسلام له مقاصد لتنظيم حياة المجتمع وبه آيات أحكام تضم ثوابت الدين المقننة للحياة. الإسلام بالفعل كما ذكر العلامة علي عزت بيجوفيتش رؤية تحتوي الحياة كلها.
أما المتغيرات والجزئيات المتجددة فقد تركها للناس للاجتهاد فيها في إطار قواعده الكلية ووصاياه العامة واطره الجامعة ليعيشوا ويتحركوا ويطوروا مجتمعاتهم.
مقال نشر بجريدة أخبار اليوم الجمعة 29 أبريل 2011
وفي السلطة الدينية الشعب ليس له أي صلاحيات لا تشريعية ولا تنفيذية ويترتب علي ذلك منعه من حق مساءلة الحكام ومحاسبتهم ومنعه من حق الثورة عليهم أو تغييرهم واستبدالهم، وموقف الاسلام من السلطة الدينية موقف حاسم وصريح لا غموض فيه، وهو موقف الرفض التام فالقول بالسلطة الدينية يعني إضفاء العصمة والقداسة علي شخصيات هذه السلطة وهذا أمر ينفيه الاسلام ويقاومه ويمنعه.
والعصمة التي صاحبت شخصية الرسول - صلي الله عليه وسلم- كانت تتعلق بالنبوة والوحي أي بالدين اما جانب الدنيا في اقامة الدولة وتسييس الأمة وتسيير شئون المسلمين، فكان الرسول يجتهد برأيه ويشاور اصحابه وكثيراً ما أخذ بآرائهم أو أقر بأفعالهم وفي حديثه، (ما كان من أمر دينكم فإلي وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به) أو بوفاة الرسول صلي الله عليه وسلم أدرك الصحابة أن سلطانه الديني في التحدث باسم الوحي قد انتهي وأنه لا يحق لاحد ادعاء وراثة هذا السلطان.
وكان منهج الصحابة في تسيير أمور الدنيا والسياسة هو الاجتهاد في ضوء مقاصد الإسلام وغايته وكلياته، فتم اختيار الخلفاء بالاختيار والعقد والبيعة وقد نبه الصديق أبو بكر المسلمين إلي الفرق الجوهري بين حكمه - وبالتالي حكم من سيليه - وحكم الرسول، فالرسول كان يعصم بالوحي وكان معه ملك اما ابو بكر - كما يقول عن نفسه - فمثله مثل كافة البشر معه شيطان يوسوس له، ويطلب ابو بكر من الناس القيام بدورهم في مراقبة الحاكم ومحاسبته »فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني«.
وعلي المنهج الاسلامي الواضح الرافض للسلطة الدينية سار الفكر الاسلامي في عمومه فمعظم المذاهب الاسلامية تري أن السلطة في الاسلام مدنية وليست دينية، لكن حدث في التاريخ الاسلامي بعض الممارسات الضيقة التي خرجت عن هذا الفهم وتطبيقاته وينظر إليها علي أنهاء استثناء يؤكد القاعدة العامة كما أنها كانت ممارسات فعلية ولا تمس الإطار المرجعي الاسلامي العام الرافض للسلطة الدينية. وفي المقابل يأخذ المذهب الشيعي بالنقيض تمامًا ويوحدون بين السلطة الدينية والسلطة السياسية في نظريتهم في الإمامة وهو ما يجب ان ننتبه اليه عند الحديث عن تجربة إيران في الحكم.
أيضاً برزت دعوات سياسية علي مدار التاريخ الاسلامي تقول إنه لا حكم إلا لله وتنادي بشعار "الحاكمية لله وحده" وحقيقة دعواها أنها تقوم علي اساس واه من الفهم الخاطئ لنصوص قرآنية ونبوية. فهذه الدعوات هي صدي لفكر "الفتنة" القديمة التي نشأت بين علي ومعاوية فيذهبون الي أن السلطان السياسي في الامة ليس من حق الشعوب فالبشر ليسوا هم الحاكم في مجتمعاتهم وإنما حكم الامة هو حكم خالص لله تعالي دوناً عن البشر.
وشعار الحاكمية لله وحده إذا نظرنا له بعين الشريعة وبعين العقل نجد أنه يصادر حق التفكير وحق النقد، فمن من المسلمين ينكر حكم الله؟ والآية تقول "إن الحكم إلا لله أمر ألا نعبدوا إلا إياه". وأيضًا هناك من يجادل في سلطات الأمة أمام سلطان الله عز وجل، وذهب الي القول إن نظام الحكم الاسلامي ينتمي إلي نظم الحكم الحتمية فهي حكم تنتفي فيه إرادة البشر ولا توجد إلا إرادة الله وحده، ومن المهم ان نعلم أن مبدأ التقسيم هذا نفسه هو الحتمية والحتمية مبدأ خطأ لأنه في حقيقة الأمر ليس هناك إلا نظام سياسة إرادية بشرية فالسلطة في أي مجتمع من المجتمعات وفي ظل أي نظام كان وتحت اية فلسفة وبغض النظر عن الشعارات هي في يد البشر من حيث التشريع والقضاء والتنفيذ، وحتي في الحالة الاسلامية فإن البشر يمارسون التشريع من خلال الاجتهاد في المسائل الفرعية والمسكوت عنها في الأدلة الشرعية.
وعليه فأن التقسيم الحقيقي هو وجود نظم ديكتاتورية ونظم ديمقراطية. كثير من العلماء والمفسرين ذهبوا الي أن لفظ »حكم« الوارد في القرآن الكريم يرد بمعني »القضاء« والفصل في المنازعات أما مدلوله السياسي فهو مدلول معاصر يرجع الي حياتنا وقد قام اصحاب دعوة الحاكمية لله بتطبيقه وتنزيله علي اللفظ القرآني.
نعلم جميعاً أن العلمانية نشأت في أوروبا وهي تقف كطرف مقابل لكل ما هو مقدس أو خارق للطبيعة أو التقليدي الجامد الذي لا يراعي التغيير والتجديد وهذه الصفات تنطبق علي ماهو ديني أو كهنوتي فالعلمانية نقيض الدين والكهنوت.. وقد لعبت العلمانية الأوروبية الدور الحاسم في القضاء علي سلطة الكنيسة الكاثوليكية الكهنوتية والانتقال بأوروبا من العصور الوسيطة المظلمة الي عصور الإحياء والتنوير والحداثة.
نشأت العلمانية في أوروبا بسبب طبيعة الحياة فيها علي مدي قرون طويلة فقد سيطرت الكنيسة علي الحكم وأقامت حكما دينيا استبدادياً قام علي اضطهاد مخالفيه ومحاربة العلم والتجديد واضطهاد العلماء الذين يخالفون حقائق الكنيسة واضطهاد الأحرار الذين يرفضون العقائد الكنسية البعيدة قليلا علي العقل البشري.
العلمانية إذن كانت ضرورة حتمية لأوروبا ولولاها ما قامت الحضارة الأوروبية الحديثة وهذا صحيح لكن تطبيق هذا التتابع بين العلمانية والنهوض ليس صحيحاً.
الموقف في الإسلام مختلف تماما فليس في الاسلام دولة دينية ولا سلطة مقدسة ويرفض الاسلام مفهوم رجل الدين ويرفض الكهانة والكهنوت، ولم يشهد علي مدي تاريخه اية مؤسسات قمعية تقوم بقمع العلم ومحاربة العلماء والمجددين، الاسلام لم يشهد علي مدي تاريخه المشكلة التي عاشتها أوروبا لعدة قرون، وبالتالي فهو ليس في حاجة إلي هذه العلمانية التي تمثل حل المشكلة الأوروبية. أنا لا أقول مفاجأة حين أذكر أن خصائص المجتمع العلماني خصائص وجدت في الاسلام قبل العلمانية ذاتها.. نعم هذه حقيقة.
المجتمع العلماني يعلي من قيم النفعية والاسلام يعلي من شأن المصلحة والغايات والمقاصد والقاعدة الاسلامية الشهيرة تقول: ما يراه جمهور المسلمين حسنا فهو عند الله حسن.
والمجتمع العلماني يدعم التغيير والتجديد، ورسول الاسلام انبأنا بأن الله يبعث كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة دينها، وكل القيم الإيجابية للعلمانية توجد بالفعل في الاسلام فإذا ما اضفنا ذلك إلي ما سبق قوله إن خصوصية الحياة الأوروبية في العصور الوسيطة هي التي أدت إلي نشأة العلمانية فإن النتيجة التلقائية هي أننا لا نحتاج إلي العلمانية الأوروبية إطلاقًا في مجتمعاتنا العربية الإسلامية.
والمشكلة التي انتجت العلمانية كحل وعلاج لا نعرفها من الأساس، بالتالي نحن لا نحتاج العلمانية كدواء لأن الداء نفسه لا نعاني منه.. وما نعاني منه هو الانهزام أمام الثقافة الغربية ومفاهيمها بل والمدهش تبني نفس المشكلات التي يعاني منها الغرب ثم تبني نفس الحلول متجاهلين بذلك خصوصية المجتمعات البشرية واختلافاتها الثقافية والواقعية العميقة فيما بينها.
وهكذا يرفض الاسلام السلطة الدينية ويرفض محاولات الجمع بين السلطتين السياسية والدينية في كيان واحد ويرفض أيضا في المقابل الفصل التام بين الدين والسياسية وشئون الدنيا. وقد ذكرت مرارًا أن الاسلام يقر التمييز بين الدين والدولة لا الفصل بينهما، وهو ما يعني أن الإسلام يقول بمدنية السلطة السياسية وبشريتها، وأن طريقها هو الشوري والانتخابات والعقد وأن الحاكم نائب او وكيل عن الامة وليس نائباً عن الله وأنه مسئول امامها فمن حقها مراقبته ومحاسبته وتقويمه وعزله.
ولكن مدنية السلطة لا تعني فصل الدين عن شئون السياسة والمجتمع، لأن الإسلام له مقاصد لتنظيم حياة المجتمع وبه آيات أحكام تضم ثوابت الدين المقننة للحياة. الإسلام بالفعل كما ذكر العلامة علي عزت بيجوفيتش رؤية تحتوي الحياة كلها.
أما المتغيرات والجزئيات المتجددة فقد تركها للناس للاجتهاد فيها في إطار قواعده الكلية ووصاياه العامة واطره الجامعة ليعيشوا ويتحركوا ويطوروا مجتمعاتهم.
مقال نشر بجريدة أخبار اليوم الجمعة 29 أبريل 2011