بقلم نوارة نجم في : 
اتصل بى صديق يصنف نفسه ليبراليا، ولا يرهق ذهنه لتصنيفى سياسيا، وسألنى: إنتِ نازلة يوم 18؟ فرددت بالإيجاب، فبدا مترددا: بس دى هتبقى بتاعة الإسلاميين! قلت: هل اقتصرت الدعوة لمدنية الدولة، ورفض تصويب السلاح على رؤوس المدنيين وهم يكتبون دستورهم على الإسلاميين؟ فأجاب: مش كده.. بس انتِ عارفة الإسلاميين يجيبوا رجلنا على عنوان عادل، ونروح كلنا، وأول ما تجيب نتيجة كويسة يستندلوا ويلحسوا كل كلامهم.
هههههههههه بصراحة آه.. الجدع عداه العيب. ولا أعلم كيف يبيت أناس على قال الله، ويصبحون على قال الرسول، وقد اشتهرت بين الناس خيانتهم لكل عهد، وحنثهم بكل وعد، حتى أصبح ذلك من المسلَّمات! لكننى لا أعلم أيضا كيف يبيت آخرون على شعار الحرية، ويصبحون على المطالبة بالديمقراطية، وقد اشتهر بين الناس رفضهم منح كامل الفرصة للشعب أن يختار من يمثله، بل ويفضلون الحكم العسكرى على اختيار الشعب، ويصر بعضهم على فرض وصاية على الاختيار الحر للأمة!
منذ الاستفتاء الدستورى والناس يتم استقطابها على الأسس الأيديولوجية التى لم تحرك الثورة المصرية من البداية، وهذا ما تسبب فى تفتيت الصف الثورى، والانفراد بكل فصيل على حده ونزع فتيل المحرك الثورى بداخله إما بالترغيب، وإما بالترهيب، وإما بكليهما.
علمتنا الثورة المصرية، ومن قبلها الحراك الشبابى الخارج عن الأطر الأيديولوجية، والذى تمثل فى التشابكات الدائرية التى ربطت الكيانات التى شكلت نواة الثورة، وتكونت بالتحديد على الشبكة العنكبوتية، عبر المدونات (يذكر السبق لعلاء سيف ومنال حسن زوجته فى هذا المضمار) والمواقع الاجتماعية، علمتنا أن الاستقطاب الصائب يكون على عدالة القضية، لا على الخلفية الفكرية أو الدينية أو الأيديولوجية، وأذكر نفسى وإياكم بأن الدعوة ليوم 25 يناير لم يشارك فيها أى من التيارات السياسية التى تصف نفسها بالإسلامية أو الليبرالية أو اليسارية، وإنما نزل يومها من نزل متخطيا كل هذه التسميات، خدمة للقضية العادلة، وبذلا للأرواح فى سبيل صالح البلاد التى لا تقبل انفراد فصيل بسلطتها. ظللنا هكذا طوال الأسابيع الثلاثة وما بعدها، حتى قرر المجلس العسكرى إجراء استفتاء على التعديلات الدستورية، وعمد -أى المجلس العسكرى- إلى تفريق الناس على أساس دينى، فأصبحت «نعم» بتاعة المسلمين، و«لا» بتاعة المسيحيين، وسانده فى ذلك كل الفلول من الجانبين الذين ظلوا طوال فترة الثورة يهددون الثوار بالموت على الباطل، ويؤكدون لهم حرمة الخروج على الحاكم، ويدعمون الطاغية بكل ما أوتوا من فتاوى وخطب وتصريحات وتحذيرات من النزول إلى المظاهرات. على الرغم من فشلهم فى إقناع الجانبين، المسلم والمسيحى، بحرمة الخروج على مبارك، فإنهم نجحوا بالفعل فى مساعدة المجلس على تفتيت الصف الثورى، حلوة وعال يا ام الفلول، طازة وعال يا ام الفلول، ومهما يحصل يا أخى مش بيتوبوا أبدا، أقربها اللى بدل ما يستغفر ربه على مساندة مبارك واقف على جبل عرفات ينافق المجلس… ما علينا.
حاول البعض القيام بمبادرات لتوحيد الصف، كانت تنجح فى بدايتها، ثم تفشل بسبب خروج مفاجئ لطرف من الأطراف، وقد اشتهرت شخصية «ليبرالية» بإفشال مبادرات توحيد الصف فى اللحظة الأخيرة، علشان عليه عفريت اسمه الدستور أولا… برضه ما علينا.
فى كل الأحوال، فقد نجح الحكم العسكرى، بفضل النخب السياسية -التى لم تشارك فى الثورة تلاتة بالله العظيم- والمتحدثين باسم الدين، أن يستمر فى الحكم بعد انقضاء فترته الانتقالية التى كان من المفترض أن لا تزيد على ستة أشهر، وسيستمر فى الحكم إلى ما شاء الله، إذا لم يكف الناس عن إلغاء عقولهم وتسليم قيادهم إلى تيارات لم ولن تمتلك حلولا ناجحة. اعمل الصح يا حزلقوم. أو بقول آخر: إنما يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال. وبصريح العبارة، لن تنجح أى مبادرات لتوحيد الصف إذا ما ولينا وجوهنا شطر القيادات السياسية، والأحزاب، والنخب، ورجال الدين والدولة. فشلة دول.. فشلة فشلة فشلة، قمة الهرم فى مصر عايزة قطشها. لم تكن للثورة المصرية زعامة، وإنما كانت القيادة للمطالب، ولن تكتمل هذه الثورة إلا إذا استمرت القيادة للمطالب، حتى بعد إجراء الانتخابات… ماعدناش نحب حد خلاص، هنحب نفسنا بس، ومن ينفذ مطالب الشعب يبقى صاحبى وحبيبى وكفاءة، يغلط.. يا ريت، علشان نعصره ينزل ثورات صغيرين.
الله فى قلبك يدلك على العدل، ولم يعط توكيلا لشيخ أو قس يأمرك بتجرع الظلم والرضا به.
الحرية الحقيقية فى اختيار الشعب، ولا يعقل أن تخاف من اختيار شعب أعزل وتثق فى حاكم عسكرى مسلح.
