رمضان..بطعم الثورة : يبدأ بتغيير النفس وتكافل المجتمع


  يأتي شهر رمضان هذا العام مفعما بالأمال ومحاطا بالمخاوف.. الأمل بأن يكتسي الشهر الكريم بروح الثورة الحقيقية فيكون ثورة في الأخلاق وعودة للايجابية والخوف من إهدار الشهر كعادتنا كل عام في تخمة مسلسلات وزحمة سهرات واشباع للبطون دون النفوس.
وحتي يكون شهر رمضان بداية جديدة لانسان مصري ايجابي يعمل لدينه ولدنياه وعبر سلوكه دين ودنيا يقدم لوطنه خلاصة جهده لينهض من جديد.. يقدم علماء الاجتماع والنفس رؤيتهم في هذا التحقيق.
تفرق د. سوسن فايد أستاذ علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بين حالتي رمضان والثورة موضحة ان حالة الثورة التي تعيشها مصر لكي تتحقق بالشكل الصحيح تتطلب مبادئ وقيم رصينة مستمدة من الدين لتحيي ما داخل المواطن المصري من قوة عقيدة وعزم وارادة تساعد الشعب علي الوقوف يد واحدة علي أرض صلبة لتحقيق اهداف الثورة.. بينما حالة رمضان ترتبط بفترة يمنحها لنا الخالق لتأصيل القيم الروحانية واحيائها للارتقاء بالنفس البشرية..
والربط بين رمضان والثورة بهذا المعني كما تقول يتطلب خطة شاملة وليس مجرد النوايا الطيبة أو الجهود الفردية المبعثرة مطالبة بدور نشيط ورائد للمؤسسة الدينية القادرة علي التوجه إلي القطاعات العريضة من الشعب ومنها محدودي التعليم أو متدني الثقافة والارتقاء بهم من خلال المدخل الديني وهو أقوي المداخل علي الاطلاق بما يؤدي إلي احياء الدين والقيم والمعاملات.. مستكملة ان الخطة المطلوبة تواكب بين حالة الثورة وحلول رمضان ليخرج الناس من الشهر الكريم وهم في صحة نفسية أفضل وفي حالة سلام مع النفس وائتلاف مع الاخر ووضوح رؤية يساعد في التفرقة بين الحق والباطل وبالتالي يتصدي للفتن والضلالات ويفكر فيما هو قادم وحاسم من أجل خير الوطن.
ونصيحة أستاذة علم النفس الاجتماعي لوسائل الاعلام أن توحد الايقاع فيما بينها بحيث تبتعد عن التخبط أو إلصاق القيم السلبية بالشهر إلي اتجاه ايجابي يؤسس لروحانياته وقيمه النبيلة في اتجاه تماسك الفرد والأسرة ومؤسسات المجتمع بحيث يكون رمضان بداية حقيقية لوطن نرغبه جميعا ونشارك في بنائه بايجابية. 
تغيير ايجابي 
ومن جانبه يتحمس د. علي الجلبي استاذ الاجتماع بجامعة الإسكندرية لقيمة التغيير الايجابي عموما. مشيرا إلي أن التغيير لابد أن ينبع من الذات ولا يفرض علي الناس وهو يبدأ برغبة داخلية ليس بالتوجيه أو الاجبار فالثورة المصرية لن تكتمل إلا بثورة في الأخلاق علي حد قوله والمناخ الذي نعيشه والذي استعدنا فيه الثقة بالنفس واتحاد الناس لابد أن ينعكس علي ممارسات رمضان فلا يجوز إلهاء الناس بالمسلسلات أو الأغاني الهابطة وانما لابد من نظرة أكثر عمقا علي قضايانا ومشاكلنا واستثمار رمضان في توحيد الكلمة وتوجيه الجهود نحو مصلحة الوطن.. ويواصل ان الثورة لابد أن تعني أكثر من الشعارات فالتقدير الحقيقي للثورة احدثته واحترام دماء الشهداء لا يكون بتكرار ما سبق من ممارسات سلبية علي كل المستويات سواء طريقة قضاء رمضان وتجريده من معانيه السامية إلي سلوكيات استهلاكية أو حتي علي مستوي الحياة اليومية بحيث لا نسمح بالفساد سواء كفاعلين أو مفعولين به وعدم التستر علي الخطأ وعدم اعطاء الرشوة أو الاتكال علي المحسوبية وغيرها صور السلوكيات السيئة التي اعتدناها بل وبررناها قبل الثورة ولا تتفق مع معدن الانسان المصري الحقيقي وبطبيعة الحال لا تناسب الشهر الكريم أو اخلاقيات الثورة.
ورغم صعوبة مهمة التغيير. لا يتوقف د. الجلبي عن التفاؤل ومبعثه ان مصر لن ترجع إلي الوراء ولكن هل يكون رمضان الحالي هو بداية الخطوة إلي الامام.. تساؤل اجابته لن تتأتي إلا بالتخلي عن المصالح الخاصة والتفكير في المصلحة العامة بدءا من أن نحسن الصيام. ان نتقن العمل. ان ندرك ان المعاملات هامة كالعبادات وغيرها من الدروس التي يقدمها لنا رمضان.
روح جديدة 
وكخبير اجتماعي يري د. خيري حسان السيد أستاذ مساعد علم الاجتماع بكلية التربية جامعة الأزهر أنه من الضروري ان يفهم الناس معني الثورة وهو التغيير من الاسوأ إلي الأفضل وليس المقصود التغيير السياسي بمعني التخلص من أركان النظام كاشخاص وانما القضاء علي أركانه من قيم سلبية استشرت موخرا كالفساد والمحسوبية والغش.. مؤكدا ان كل يوم فرصة للتغيير والتوعية ولكن شهر رمضان تحديدا بما يحمله من قيم ايجابية لو استوعبها الناس سيكون بداية حقيقية للوطن بأكمله وليس للأفراد.
ويضيف الخبير الاجتماعي ان هناك من ربط رمضان بالعديد من المظاهر السلبية سواء الخيام الرمضانية بما تحتويه من شرب الشيشة أو حتي المخدرات أو تحويل الشهر من الاكثار من العبادات إلي تخمة المسلسلات والاعلانات المستفزة التي لا تراعي ظروف الناس وتتعامل معهم كجيوب وليس عقول. أو حتي سلوكيات التجار من جشع وغش في السلع أو رفع الأسعار بلا ضابط أو رابط من ضمير.
ويدعو د. خيري إلي استقبال رمضان هذا العام بروح جديدة تبدأ بالتكافل الاجتماعي بمعناه الحقيقي والدائم وليس الموسمي فهناك ظواهر اجتماعية مثل اطفال الشوارع وزنا المحارم والمخدرات وهي من مساوئ العهد السابق ولكن القضاء عليها لن يكون إلا ببناء مجتمع جديد علي اساس من القيم الطيبة والعدالة الاجتماعية واحياء الضمير ومحاسبة الذات قبل الغير.
الفصام في رمضان 
ولا تبدو د. إيمان شريف قائد أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية شديدة التفاؤل بتغيير قريب من رمضان علي مستوي المفهوم أو السلوك وتشرح اسبابها بأن بدايات الثورة تختلف عن تداعياتها الآن فغياب الادارة الصحيحة وطول المرحلة الانتقالية التي زادت عن 7 شهور بلا حكومة فاعلة أدت إلي امتداد البلطجة والانفلات الأمني والأخلاقي. معربة عن حزنها بأن رمضان لن يكون افضل حالا فالتجار سيقومون برفع اسعار السلع بلا وازع من ضمير وستستمر المظاهر السلبية التي شهدناها علي مر السنين من تنافس محموم بين قنوات التليفزيون لإلهاء الناس عن العبادة بالمسلسلات الدسمة أو قيام البعض بالسهرات التي تمتد حتي الفجر علي المقامي وفي الخيام حتي شوهوا المعني الديني للسحور أو الافطار إلي مجرد لمة علي طعام.
وترجع أستاذة علم النفس هذه السلوكيات التي تناقض معني رمضان إلي اتسام الشخصية المصرية بالفصام علي حد تعبيرها. فسلوكها لا يعبر عن مكنونها ورغم انتشار التدين الشكلي إلا أن التدين الحقيقي في المعاملات ومراعاة القيم والاخلاقيات قد تواري وتحذر من ازدياد الوضع سوءا هذا العام لأننا بدلا من تغيير نظام فاسد واحد. خلقنا داخل كل منا أنظمة فاسدة تسعي لقهر الاخر والحصول علي أكبر قدر من المكاسب.. 
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

0 التعليقات

شارك بتعليقك

:: تصميم : ويب توفيل | تعريب وتطوير مدونة الاحرار - 2012 | | تحويل القالب الي بلوجر سمبل دزاين | تابعنا على الفيس بوك | سياسة الخصوصية::